ولم يكن هذا عندهم من جنس مسائل النزاع التي يسوغ فيها الاجتهاد بل ولا كان هذا عندهم من جنس [ ص: 409 ] مسائل أهل البدع المشهورين في الأمة كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة، بل كان إنكار هذا عندهم أعظم عندهم من هذا كله، وكلامهم في ذلك مشهور متواتر.
ولهذا قال الملقب بإمام الأئمة فيما رواه عنه أبو بكر بن خزيمة من لم يقل الحاكم: وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة. إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه
[ ص: 410 ] كما روى في كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل الإمام المشهور أنه قال: ليس في أصحاب الأهواء أشر من أصحاب عبد الرحمن بن مهدي يدورون أن يقولوا إن الله لم يكلم جهم موسى ويدورون أن يقولوا ليس في السماء شيء وأن الله ليس على العرش، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا [ ص: 411 ] وعن من طبقة شيوخ عباد بن العوام الواسطي الشافعي قال: كلمت وأحمد، وأصحاب بشرا المريسي بشر، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا ليس في السماء شيء.
[ ص: 412 ] وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي من هذه الطبقة وهو إمام البصرة إذ ذاك علما ودينا أنه ذكر عنده الجهمية فقال: هم شر قولا من اليهود والنصارى، قد أجمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش وهم قالوا ليس عليه شيء..
وروى عن عبد الله بن أحمد الإمام [ ص: 413 ] المشهور، قال: سمعت سليمان بن حرب وهو الإمام الكبير المشهور وذكر هؤلاء حماد بن زيد الجهمية، فقال: إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء، وعن عاصم بن علي بن عاصم [ ص: 414 ] شيخ أحمد قال: ناظرت جهميا فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء ربا، وقال والبخاري، ثنا أحمد بن حنبل: سريح ابن النعمان، سمعت عبد الله بن نافع الصائغ، سمعت [ ص: 415 ] ابن أنس يقول: مالك الله في السماء وعلمه في كل مكان..
وروى وغيره بأسانيد صحيحة عن عبد الله بن أحمد أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول عبد الله [ ص: 416 ] ابن المبارك الجهمية إنه هاهنا، وكذلك قال الإمام وغيره. أحمد
وقال الإمام صاحب الجامع [ ص: 417 ] الصحيح في كتاب خلق الأفعال، باب ما ذكر أهل العلم للمعطلة الذين يريدون أن يبدلوا كلام الله، قال: وقال أبو عبد الله البخاري وهب بن جرير: الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.
قال: وقال القرآن كلام الله نزل به حماد بن زيد: جبريل، ما يجادلون إلا أنه ليس في السماء إله.
[ ص: 418 ] قال: وقال لا نقول كما قالت ابن المبارك: الجهمية إنه في الأرض هاهنا بل على العرش استوى، وقيل له: كيف نعرف ربنا، قال: فوق سمواته على العرش، وقال لرجل منهم: أتظنك خال منه؟ فبهت الآخر وقال: من قال (لا إله إلا هو) مخلوق فهو كافر، وإنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.