[ ص: 154 ] فصل
وأما نفيه للمماسة «فصل آخر في ذكر إبطال المماسة، قال في كتاب «الصفات الكبير»: «ولو كان مماسا لعرشه، لكان العرش مماسا له، ولو كان العرش مماسا له، لحدث فيه عن مماسته إياه معنى، كما يحدث بين كل متماسين، وتعالى الله عن الحوادث، فلما فسدت مماسة العرش إياه فسدت مماسته العرش». «ابن فورك»: فقال
قال «وهذا يبين من كلامه إحالة المماسة على الله، ويبين أيضا من مذهبه بأن الحوادث لا تحل في ذاته، وأن ما حلته الحوادث محدث، على خلاف ما ذهبت إليه «ابن فورك»: الكرامية، المجسمة الجهلة، وأن المتماسين متماسان، بحدوث متماسين فيهما».
قلت: هذا الذي ذكره من قوله: وهو كما ذكره، وكذلك ما ذكر من مخالفته «ابن فورك» للكرامية، في مسألة الحوادث، لكن الكرامية أقرب إلى في مسألة العرش، وعلو الله عليه، فإن قولهم وقول «ابن كلاب» في ذلك متقاربان، «ابن كلاب» فورك» [ ص: 155 ] وأصحابه أقرب إلى في مسألة الحوادث، «ابن كلاب» فإن قولهم فيها كقول و «ابن لا كقول «ابن كلاب» الكرامية، ولهذا كان المنتسبون إلى من أهل الكلام، والفقه والحديث، لا يعرف عنهم خلاف أهل الحديث، في مسألة العرش، وإنما وقع النزاع بينهم وبين غيرهم في مسألة القرآن، والله أعلم. «ابن كلاب»
وقد تبين بما ذكرناه، أن المخالفين لأهل الإسلام، في مسألة العرش، وأن الله فوقه، كانوا في صدر الإسلام من أقل الناس، كما ذكره إمام «ابن كلاب» وأصحابه، وإن كان أكثر «الأشعري» الأشعرية المتأخرين، قد صاروا في ذلك مع المعتزلة; بل يقال أشهر الطوائف بهذا النفي، الذي ذكره عنده، وعند أمثاله; الفلاسفة المشائين أتباع «أرسطو» من المتقدمين، و و «كالفارابي» ونحوهما من المتأخرين، ومن [ ص: 156 ] أخبر الناس بمقالات «ابن سينا» «أرسطو» وأصحابه، ومن أكثر الناس عناية بها، وقولا بها وشرحا لها، وبيانا لما خالفه فيه، وأمثاله منهم القاضي «ابن سينا» «أبو الوليد بن رشد» الحفيد الفيلسوف، حتى أنه يرد على من خالفهم، كما صنف كتابه «تهافت التهافت» الذي رد فيه على ما رده على الفلاسفة، وإن لم يكن مصيبا، فيما خالف فيه مقتضى الكتاب والسنة، بل هو مخطئ خطأ عظيما، بل ما هو أعظم من ذلك، وإن زعم أنه أوجبه البرهان، وأنه من علم الخاصة دون الجمهور، ولكن الغرض أنه مع مبالغته في اتباع آراء الفلاسفة المشائين، هو مع هذا «أبي حامد الغزالي» مع أنه يرتضي طرق أهل الكلام، بل يسميها هو وأمثاله الطريق الجدلية، ويسمونهم أهل الجدل، كما يسميهم بذلك [ ص: 157 ] نقل عن الفلاسفة إثبات الجهة، وقد قرر ذلك بطرقهم العقلية، التي يسمونها البراهين، وأمثاله، فإنهم لما قسموا أنواع القياس العقلي، الذي ذكروه في القياس إلى برهاني، وجدلي، وخطابي، وشعري، وسفسطائي، زعموا أن مقاييسهم في العلم الإلهي، من النوع البرهاني، وأن غالب مقاييس المتكلمين إما من الجدلي، وإما من «ابن سينا» كما يوجد هذا في كلام علماء الفلاسفة، الخطابي، و «كالفارابي» و «ابن سينا» «محمد بن يوسف العامري» [ ص: 158 ] و «ابن رشد» وغيرهم، وإن كانوا في هذه الدعاوي ليسوا صادقين على الإطلاق، بل الأقيسة البرهانية في العلم الإلهي، هي في كلام المتكلمين أكثر منها وأشرف منها في كلامهم، وإن كان في كلام المتكلمين أيضا، أقيسة جدلية وخطابية وشعرية، بل وسوفسطائية كثيرة، فهذه الأنواع هي في كلامهم أكثر منها في كلام المتكلمين، وأضعف إذا أخذ ما تكلموا فيه من العلم الإلهي، بالنسبة إلى ما تكلم به المتكلمون.