قلت: وهذا المعنى الذي ذكره من أن الموجود يقدر الله على أن يريناه، وأن المعدوم هو الذي لا يجوز رؤيته، الأشعري هو مأخوذ من كلام السلف والأئمة، كما ذكره فنفي الرؤية يستلزم نفي الوجود. حنبل عن ورواه الإمام أحمد عنه [ ص: 319 ] في كتاب " السنة " قال:" القوم يرجعون إلى التعطيل في كونهم ينكرون الرؤية". الخلال
، وذلك أن الله على كل شيء قدير، وهذا لفظ عام لا تخصيص فيه، فأما الممتنع لذاته فليس بشيء باتفاق العقلاء، وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده، فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يكون داخلا في العموم، مثل أن يقول القائل هل يقدر أن يعدم نفسه أو يخلق مثله، فإن القدرة تستلزم وجود القادر وعدمه ينافي وجوده، فكأنه قيل: هل يكون موجودا معدوما. وهذا متناقض في نفسه لا حقيقة له، وليس بشيء أصلا، وكذلك وجود مثله يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما، فإن مثل الشيء ما يسد مسده ويقوم مقامه فيجب أن يكون الشيء موجودا معدوما قبل وجوده مفتقرا مربوبا، فإذا قدر أنه مثل الخالق تعالى لزم أن يكون واجبا قديما لم يزل موجودا غنيا ربا، ويكون الخالق فقيرا ممكنا معدوما مفتقرا مربوبا، فيكون الشيء الواحد قديما محدثا فقيرا مستغنيا واجبا ممكنا موجودا معدوما ربا مربوبا، وهذا متناقض لا حقيقة له وليس بشيء أصلا، فلا يدخل في العموم، وأمثال ذلك.
أما خلق قوة في العباد يقدرون بها على رؤيته فإن ذلك يقتضي كمال قدرته، وما من موجود قائم بنفسه إلا والله قادر على أن يرينا إياه بل قد يقال ذلك في كل موجود سواء قام بنفسه أو قام بغيره.
[ ص: 320 ] وهنا طريقة أخرى، وهي أن نقول: كل موجود فالله قادر على أن يجعلنا نحسه بأحد الحواس الخمس، وما لا يكون ممكنا إحساسه بإحدى الحواس الخمس فإنه معدوم. وهذه الطريقة مما بين الأئمة أن يقول: إن الله معدوم لما زعم أنه لا يحس بشيء من الحواس، لأن الموجود لا بد أن يمكن إحساسه بإحدى الحواس كما ذكر جهما أصل قوم الإمام أحمد جهم.