أحدها: أن يقال قد تقدم أن لفظ المنقسم لفظ مجمل بحسب الاصطلاحات، التي نزل بها [ ص: 431 ] القرآن هو ما فصل بعضه عن بعض كقسمة الماء وغيره بين المشتركين، كما قال الله تعالى : فالمنقسم في اللغة العربية ونبئهم أن الماء قسمة بينهم [القمر 28] .
وقال تعالى: لكل باب منهم جزء مقسوم [الحجر 44] .
وقال تعالى: أهم يقسمون رحمت ربك [الزخرف 32] .
وقال تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا [الزخرف 32] .
وهذا هو وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنا قاسم، أقسم بينكم. بدليل صحة نفي اللفظ عما ليس كذلك كما في الحديث حقيقة المقسوم وكما في قوله: الصحيح: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، [ ص: 433 ] وكما قال: أيما ميراث قسم في الجاهلية [ ص: 432 ] فهو على ما قسم، وأيما مال أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام، وتقول لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما، الفقهاء: العقار إما أن يحتمل القسمة أو لا يحتمل القسمة، فإن كان كالرحى الصغيرة والحانوت الصغير التي لا تحتمل القسمة، ففي ثبوت الشفعة فيه نزاع مشهور بين الفقهاء، وإن كان يحتمل القسمة كالأرض البيضاء الكبيرة ونحو ذلك ثبتت فيه الشفعة بالاتفاق، وكذلك يقولون في باب القسمة إن [ ص: 434 ] المال إما أن يحتمل القسمة وإما أن لا يحتملها، فالذي لا يحتمل القسمة كالعبد الواحد والفرس الواحد وكالجوهرة والإناء الواحد ونحو ذلك.
فهذا الباب باب القسمة وما فيه من المسائل كقولهم القسمة هل هي إفراز الحقوق وتمييز الأنصباء أم هي بيع، وقولهم ما لا يمكن قسمته إذا طلب أحد الشريكين بيعه ليقسم الثمن هل يجبر الآخر على البيع، وقولهم إذا كان في القسمة ضرر على أحد الشريكين فهل يجبر الممتنع فيها ونحو ذلك، ومن ذلك قولهم في المضاربة والغنيمة ونحوها هل يملك الربح أو المغنم بالظهور أو لا يملك إلا بالقسمة، وقولهم باب قسم الصدقة والغنائم والفيء وأمثال ذلك مما [ ص: 435 ] لا يحصيه إلا الله إنما يريد الخاصة من العلماء والعامة من الناس بلفظ القسمة هنا تفصيل الشيء بعضه عن بعض؛ بحيث يكون هذا في حيز وهذا في حيز منفصل عنه؛ ليتميز أحدهما عن الآخر تميزا يمكن به التصرف في أحدهما دون الآخر.
وإذا كان هذا المعنى هو الظاهر في لغة الناس وعادتهم بلفظ القسمة، فقوله بعد ذلك إما أن يكون منقسما أو لا يكون يختار فيه المنازع جانب النفي، فإن الله ليس بمنقسم وليس هو شيئين أو أشياء كل واحد منها في حيز منفصل عن حيز الآخر كالأعيان المقسومة، وما نعلم عاقلا يقول ذلك، وما كان منقسما بهذا المعنى فهو اثنان كل منهما قائم بنفسه، ولم يقل أحد من الناس إن الله أو إن خالق العالم هما اثنان متميزان كل منهما قائم بنفسه إلا ما يحكى عن بعض الثنوية من قولهم إن أصل العالم النور والظلمة القديمان [ ص: 436 ] لكن هؤلاء لا يقولون بتساويهما في الصفات.