ثم المثبتة تزيد في الأحاديث لفظا ومعنى، فيثبتون بعض الأحاديث الموضوعة صفات، ويجعلون بعض الظواهر صفات، ولا يكون كذلك، والنافية تنقض الأحاديث لفظا ومعنى، فيكذبون بالحق، ويحرفون الكلم عن مواضعه.
ومن هذا ما رواه حدثنا الخلال: عمرو بن إسحاق، حدثنا أبو مسلم الحضرمي، حدثنا أبو معاوية وهب بن عمرو الأحموسي، عن أبي عبد الرحمن، عن عن مقاتل بن حيان، عكرمة، عن أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ابن عباس «لما أسري بي إلى السماء فرأيت الرحمن [ ص: 323 ] الأعلى بقلبي في خلق شاب أمرد، نور يتلألأ، وقد نهيت عن صفته لكم، فسألت إلهي أن يكرمني برؤيته، فإذا هو كأنه عروس حين كشفت عنه حجلته، مستويا على عرشه، في وقاره وعزه ومجده وعلوه، ولم يؤذن لي في غير ذلك من صفته لكم سبحانه في جلاله، وكريم فعاله في مكانه العلي، نوره المتعالي».
وهذه الألفاظ ينكر أهل المعرفة بالحديث أن تكون من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الحديث يبين أن حديث عكرمة المشهور كان بفؤاده كما في هذا، ويشبه هذا ما رواه أيضا قال: حدثنا الخلال يزيد بن جمهور، حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العبدي، حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن جويبر، عن [ ص: 324 ] الضحاك، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به، قال: ابن عباس «انتهيت على نهر من نور لهب النار، قال: فجعلت أهال» قال: «وجعل جبريل يقول: يا محمد ادع الله بالتثبيت والتأييد، قال: فجعلت أدعو بالتثبيت والتأييد» فذكر أنها دون العرش «حتى انتهيت إلى العرش وأمسك جبريل عني» قال: «فلما انتهينا إلى الله ألقيت علي الوسنة» قال: «وعاينت بقلبي جلاله» قال: فكان يقول: ابن عباس «رآه بفؤاده ولم تره عيناه».
ولكن قد يكون أصل الحديث أنهما حدثا عن محفوظا، وزيد فيه زيادات كما جرت به عادة كثير من هؤلاء [ ص: 325 ] المصنفين، فيكون هذا موافقا؛ لأن حديث ابن عباس قتادة والحكم عن عكرمة، وحديث سلمة بن عمرو «أنه كان ليلة المعراج».