قلت: هذان القولان مرتبان على القولين في معنى التفسير، فمن قال: تأويله هو تفسيره، فالراسخون يعلمون تفسيره، ومن قال: تأويله عاقبته المنتظرة، فهذا لا يعلمه إلا الله.
ولم يذكر أبو الفرج في الآية القول الذي ذكره في أول كتابه، وهو أن التأويل نقل الكلام عن موضعه إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ.
قد أحسن حيث لم يذكر هذا المعنى في قوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله فإن أحدا من السلف لم يذكر هذا المعنى في هذه الآية، وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين.
ولكن السلف لهم قراءتان وقولان، منهم من قال: التأويل لا يعلمه إلا الله، وهؤلاء لم يريدوا بذلك تفسيره، بل فسروا القرآن كله، كابن الأنباري والفراء وغيرهما، وتكلموا على مشكله، بل أرادوا ما استأثر الله بعلمه بما يؤول إليه، والعلماء يعلمون تأويله وهو التفسير، ولا منافاة بين القراءتين والقولين، ولم يقل أحد من السلف: إن المتشابه كله مصروف عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره، وأن ذلك المصروف إليه لا يعلمه إلا الله، بل هذا باطل من وجوه كثيرة كما بسط في موضعه. [ ص: 270 ]
وكذلك كثير من المفسرين غير ابن الجوزي يذكرون في أول كتبهم الفرق بين التأويل والتفسير، ثم يذكرون في الآية التأويل بمعنى: لا يعلمه إلا الله، كما ذكر ذلك الثعلبي وغيرهما. والبغوي