الوجه التاسع والعشرون: أنه إذا لم يكن فرق في نفس إدراك كنهه، بين الوهم والخيال، وبين الحس، وبين العلم والعقل، لم يحصل شيء من مطلوبك; فإن المطلوب أنه لا بد من الاعتراف بثبوت أمر على خلاف حكم الحس والخيال، والذي ذكر لا فرق فيه بين الحس والخيال وبين العقل; فإن هذه الأمور لا تكيف ذاته، ولا يلزم من نفي اكتناه ذاته نفي معرفته بها، كما لم يلزم نفي معرفته بالعلم والعقل. فإن قوله: «لا بد لهم من الاعتراف بأن خصوص ذاته، التي امتازت به عن سائر الذوات، مما لا يصل الوهم والخيال إلى كنهها، وذلك اعتراف بثبوت أمر، على خلاف ما يحكم به الوهم ويقضي به «الخيال» -مع أنه لم يذكر حجة عليه- لا فرق فيه بين الوهم والخيال، وبين الحس والعقل والعلم، فإن شيئا من ذلك لا يصل إلى كنهه. وإذا [ ص: 312 ] كان مقصوده الفرق بين الوهم والخيال، وبين العقل والعلم بهذا -مع أنه لا فرق بينها من هذا الوجه، ومع أن ذلك لا ينفي معرفته بذلك، وإن لم يوصل ذلك إلى كنهه- ظهر أن ما قاله ليس فيه تحصيل لغرضه، مع ما فيه من التفريق بين الأشياء فيما اتفقت فيه.
فتدبر هذا كله، فإنه كلام حق به يعرف كيف أضل هؤلاء لعباد الله، بمتشابه الكلام، كما قال الإمام أحمد في وصفهم: «يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس، بما يتكلمون به من المتشابه».