وقد جاء لفظ الشخص في حديث آخر أصح من هذا، وهو حديث أبي رزين العقيلي الذي قدمناه في أحاديث إتيانه يوم القيامة سبحانه وتعالى، قال فيه: قال: قلت: يا رسول الله، كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الشمس والقمر آية منه صغيرة، ترونها في ساعة واحدة ويريانكم، ولا تضامون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما على أن يريانكم وترونهما» قال: قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه بادية له صفحاتكم» «لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء من مصارعكم، فتنظرون إليه، وينظر إليكم». وذكر الحديث.
وقد تنازع أهل الحديث من أصحاب وغيرهم في إطلاق اسم الشخص عليه، قال أحمد «فغير ممتنع إطلاقها عليه؛ لأنه ليس في ذلك ما يمثل صفاته [ ص: 396 ] ولا يخرجها عما يستحقه؛ لأن الغيرة هي الكراهة للشيء وذلك جائز في صفاته، قال تعالى: القاضي أبو يعلى: ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم [التوبة: 46] قال: وأما لفظ الشخص فرأيت بعض أصحاب الحديث يذهب إلى جواز إطلاقه، ووجهه أن قوله: لا شخص نفي من إثبات. وذلك يقتضي الجنس، كقوله: لا رجل أكرم من زيد، يقتضي أن زيدا يقع اسم رجل، كذلك قوله: لا شخص أغير من الله، يقتضي أنه يقع عليه هذا الاسم.
قال: وقد ذكر في كتاب الرؤية ما يشهد لهذا القول، وذكر حديث أبو الحسن الدارقطني لقيط بن عامر المتقدم، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: «كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد» فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله. قال: وقد ذكر هذا الحديث في الجزء الأول من مسند أحمد الكوفيين، فقال -رحمه الله- قال عبد الله [ ص: 397 ] يعني ابن أحمد ليس حديث أشد على عبيد الله القواريري: الجهمية من هذا الحديث، قوله: «لا شخص أحب إليه المدحة من الله».
قال القاضي: ويحتمل أن يمنع من إطلاق ذلك عليه؛ لأن لفظ الخبر ليس بصريح فيه؛ لأن معناه: لا أحد أغير من الله؛ لأنه قد روي ذلك في لفظ آخر، فاستعمل لفظ الشخص في موضع «أحد» ويكون هذا استثناء من غير جنسه ونوعه، كقوله تعالى: ما لهم به من علم إلا اتباع الظن [النساء: 157] وليس الظن من نوع العلم.