وهذا يظهر بالوجه الحادي والعشرين: وهو أن يقال: ما تعني بتحليل تركيبه إلى أجزاء. أتعني به أنه لا بد أن يتفرق أو يقبل التفرق إلى تلك الأجزاء؟ فهذا ممنوع وهو محل النزاع، فكيف تحتج بالشيء على نفسه فتصادر على المطلوب أم تعني بالتحليل اشتماله على الأجزاء كاشتمال الأصل على هذا الجزء وغيره؟ فلا يخلو إما أن يريد بالجزء المبرأ عن التركيب أن يكون بسيطا عن ذلك التركيب، وإن كان أجزاء متشابهة، أو يريد به [ ص: 160 ] أنه لا تركيب فيه بحال. فإن أردت هذا فيكون مضمون الكلام أنه لا بد وأن يكون فيه الجوهر الفرد، وأنت قد وافقت أذكياء العالم على التوقف في إثبات الجوهر الفرد، وإن كان ثبوته غير معلوم لك لم يجز أن تدعي في جسم من الأجسام المختلفة وجوب اشتماله على الأجزاء التي لا تركب فضلا عن أن تدعي ذلك في رب العالمين.
وأيضا فإنك قد ذكرت بعد هذا: " أن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لا بد أن يماس كل واحد بيمينه شيئا وبيساره شيئا آخر، لكن يمينه مثل يساره.. " وهذا تصريح منك بأنه يقبل القسمة، وأنه يشتمل على شيئين متماثلين، وهذا ينفي الجوهر الفرد لأن التركيب عبارة عن اجتماع الوحدات مع قوله: إذا ثبت هذا فنقول: إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لا بد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا غير ما يماسه بيساره إثبات التركيب في البسيط المبرأ عن التركيب وهو الجوهر الفرد، فيكون لازمه بين إثبات الجوهر [ ص: 161 ] ونفيه، وذلك تلازم بين النقيضين. فقوله: " لا بد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرءا عن هذا التركيب،
وإن أراد المبرأ من التركيب من الأجزاء المختلفة، وبالبسيط بما ليس فيه ذلك التركيب، وذلك لا يستلزم أن يكون كل جزء جوهرا فردا بل يكون كل من تلك الأجزاء بسيطا بحيث يكون في البسيط أجزاء مختلفة، وهذا هو أقرب إلى إرادته، فيقال لك: تلك الأجزاء البسيطة هي في أنفسها مختلفة الحقائق كما ذكرت، وإذا كانت مختلفة الحقائق لم يمتنع أن تشترك فيما يجب ويجوز ويمتنع، وإذا امتنع أن تشترك في ذلك لم يلزم أن يماس أحدهما ما يماس الآخر، وإذا فرض أن جوانب أحدهما متساوية إما لاستدارتها وإما لتساوي يمينها ويسارها لكن إن ما يجب أن يمس بيمينه ما يمس بيساره إذا كان ذلك الممسوس يجوز أن ينتقل عن يمين هذا إلى يساره وينتقل عن مماسة ما كان يماسه إذا كان عن يمين هذا إلى مماسة ما يماسه إذا صار عن يساره، فإنه مع مماسته لهذا لا بد أن يماس غيره، وذلك إنما يصح أن لو كان يمين الأول ويساره من الآخر متماثلة، والتقدير أن الأجزاء مختلفة في الحقائق فلا يلزم. وإن كان كل منها بسيطا متشابه الأجزاء، إنما يباين جوهرا منها ما باين غيره، إذ هذا غير معلوم إلا إذا كانت متماثلة، والتقدير أنها [ ص: 162 ] مختلفة، فوجب القطع بأن ما كان عن يمين أحدهما لا يلزم جواز كونه عن يساره نقيض ما ذكره، فإنه إنما ذكر تساوي جانبي الممسوس لا الوسط، وأغفل اختلاف جانبي المماسين، وأن هذا المنتقل لا بد أن يزيل واحدا عن حيزه، وأن يماس حيزا يخالف في الحقيقة الحيز الذي كان يماسه. وهذا بين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.