يقرر هذا بالوجه الثاني عشر: وهو أن كل جسم مؤلف هو يشتمل على جواهر منفردة كما ذكر- وهي متماثلة كما ذكر- والمثلان يصح على كل واحد منهما ما صح على الآخر- فيقال: لا يخلو إذا تفرقت هذه الأجزاء أن تكون حين افتراقها كما كانت حين اجتماعها، أو لا تكون، فإن كانت كذلك لزم أن يكون كل جسم في العالم إذا افترقت أجزاؤه إلى الجوهر المنفرد أن يكون حال تلك الجواهر حينما كانت متصلة، وهي تلك الذات كحالها حين تفرقها، وفساد هذا معلوم بالحس والبديهة، فإن [ ص: 149 ] الجسم ليس هو إلا تلك الجواهر وتركيبها، فإذا فرض أن حالها مع زوال التركيب كحالها مع التركيب وجب أن تكون موصوفة حال افتراقها بما كانت موصوفة به حال اجتماعها، وهذا معلوم الفساد بالحس والبديهة لأن عامة الأجسام إذا تفرقت أجزاؤها بطل عامة صفاتها وأحكامها.
وإذا كانت حين افتراقها بخلاف ما كانت حين اجتماعها لم يلزم من تماثلها جواز افتراقها لأن ذلك يقتضي اختلاف حالها وليس الشيء إلى مثله بأقرب منه إلى نفسه، فإذا كان الشيء إذا خالف غيره بشيء لم يجب أن يكون مثله فالشيء الواحد إذا وجب بانتقاله من حيز إلى حيز اختلاف حقيقته أن لا يجب ذلك فيه بطريق الأولى.