الوجه الثامن عشر: وعن كل ما يمكن العقل أن يقدره من هذه الأجناس، وإن لم يكن مساويا للذوات في ذلك; إذ مساواة الذوات لا يكون إلا فيما يوجد فيها، ولفظ مساواة الشيء للشيء، يشعر بمماثلته فيه; بحيث يكونان سواء في ذلك، فكل من هذين المعنيين، لا يجوز تخصيص النفي به من غير موجب. وهو قد يريد بلفظ المساواة في ذلك، مطلق الاشتراك في ذلك; لكن العبارة ملبسة; وهو باستعمال مثل هذه العبارة في ذلك وقع في خطأ كثير في المعاني، كما سنذكره في باقي مسألة تماثل الأجسام أو غيرها. وأيضا فهذه الأمور ممتنعة عليه بدون وجود هذه [ ص: 299 ] المحسوسات، ومع قطع النظر عن وجودها; وإنما نفي ذلك معلوم، من العلم بكونه قديما واجب الوجود، بنفسه، حيا قيوما; فإن ما كان قيوما، واجب الوجود بنفسه، لم تكن ذاته قابلة للعدم: إذ الذات القابلة للعدم، تقبل العدم والوجود، فإن كانت غير ممكنة لا تقبل الوجود كانت ممتنعة، والممكن لذاته والممتنع لذاته، لا يكون واجبا لذاته. وكذلك أيضا لو قبل التفرق والمرض، ونحو ذلك من التغيرات والاستحالات، التي هي مقدمات العدم والفناء وأسبابه، لم يكن حيا قيوما صمدا، واجب الوجود بنفسه; لأن هذه الأمور، توجب زوال ما هو داخل في مسمى ذاته، وعدم ذلك مما هو صفة له أو جزء، ولو زال ذلك لم تكن ذاته واجبة الوجود، بل كان من ذاته ما ليس بواجب الوجود، ثم ذلك يقتضي أن لا يكون شيء منها واجب الوجود، إذ لا فرق بين شيء وشيء، ولهذا كان تجويز هذا عليه، يستلزم تجويز العدم عليه، لأن ما جاز عليه [ ص: 300 ] الاستحالات، جاز عليه عدم صورته وفسادها. كما هو المعروف في الأجسام، التي يجوز عليها التفرق والاستحالة. فهذا وأمثاله مما يعلم به تقديسه وتنزهه عن هذه الأمور، التي هي عدم ذاته أو عدم ما هو من ذاته; ولهذا كان تنزهه عن ذلك بينا في الفطرة، معروفا في العقول، للعلم بأنه حق واجب الوجود بنفسه، يستحيل عليه ما يناقض ذلك، فتبين أن ما ذكره من المساواة وإن كان حقا، فلم يذكره على الوجه المحقق، ولا ذكر دليله المقرر له، بل ذكر شيئا يحتاج إليه مع ما فيه من الإيهام. أن يقال: قولك «فإنه تعالى لا يساوي هذه الذوات، في قبول الاجتماع، والافتراق، والتغير، والفناء، والصحة، والمرض، والحياة، والموت» يقال لك: هو لا يجوز عليه من هذه النقائص، ولا ما يساوي فيه هذه الذوات، ولا ما يخالفها; بل هو منزه عن قليل ذلك وكثيره،