قلت: المقصود الآن ذكر وأما ما يدعيه طائفة من المتأخرين من أن الاشتقاق إنما يشهد لقول من قال: إنه السيد، فسنبين أن هذا من أفسد الأقوال، بل شهادة اللغة والاشتقاق لذلك القول الذي قاله جمهور الصحابة والتابعين أقوى، وإن كان ذلك كله حقا، والاسم يتناول ذلك كله، واللغة والاشتقاق يشهد له. أقوال السلف في معنى الصمد،
الوجه الثالث: أن هذا التفسير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يتبين بوجهين:
أحدهما: من نقل الخاصة عنه، كما تقدم.
الثاني: أنه من المعلوم أن حتى أمرهم أن [ ص: 543 ] يجتمعوا، وقال: هذه السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر للمسلمين فضلها، وأنها تعدل ثلث القرآن «اجتمعوا لأقرأ عليكم ثلث القرآن، فلما اجتمعوا قرأها عليهم» وهي سورة يتعلمها الصغير والكبير والحر والعبد والرجل والمرأة، وقد سن لهم أن تقرأ في ركعتي الفجر والطواف، وكان بعض أصحابه يقرأ بها دائما في الصلاة مع السورة، فقال: «سلوه لم يفعل ذلك؟ فقال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، فقال: أخبروه أن الله يحبه».
[ ص: 544 ] وهذا كله مما يوجب توفر الهمم والدواعي على معرفة معنى الصمد، وهذا أمر يجده الناس من نفوسهم، فإنه إذا قرأها الإنسان مرة بعد مرة اشتاق إلى معرفة معنى ما يقول، والنفس تتألم بأن تتكلم بشيء لا تفهمه، فالمقتضي لمعرفة هذا الاسم كان فيهم موجودا قويا عاما متكررا، والمانع من ذلك منتف، وأنه لا مانع لهم من المسألة عن هذا الاسم، ويتوكد هذا بشيئين:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا علم أصحابه القرآن علمهم ما فيه من العلم والعمل، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: «حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: [ ص: 545 ] فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا». وعبد الله بن مسعود،
الثاني: أنه قد روي من غير وجه فلا بد أن يكون في الجواب بيان معنى هذا الاسم للكفار من المشركين وأهل الكتاب، فإنه لا يحصل الجواب لهم بذلك إلا بلفظ يعرف معناه، فكيف يكون علم المؤمنين بذلك، وهذا كله يدل دلالة قطعية يقينية أن معنى هذا الاسم كان معروفا عند الصحابة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لهم من ذلك ما يشكل عليهم، وأفادهم ما يحتاجون إليه من معرفة معنى هذا الاسم، كيف وهذا كله من بيان القرآن الذي [ ص: 546 ] يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه بيان لفظه ومعناه. أن المشركين وأهل الكتاب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن نعت ربه، فأنزل الله هذه السورة، وقال: «إنها نسب الرحمن وصفته»