والمقصود هنا التنبيه على أيضا. فساد حجج الدهرية، المعطلة للصانع تعالى، وتناقضها، ومشاركة الجهمية لهم في بعض أصولهم الفاسدة، مع حجج الدهرية المثبتة له
وقد تقدم ما ذكره أبو المعالي من أن شبه الدهرية لحصرها أربعة أقسام:
أحدها: تعرضهم للقدح في الدليل الذي ذكره أبو المعالي، دليل المعتزلة ومن اتبعهم من المتكلمين الذي استدلوا به على حدوث الأجسام -دليل الأعراض- ونحن قد ذكرنا في غير هذا الموضع كلام أئمة المسلمين في هذه الطريقة: تحريما، وكراهة وإبطالا.
قال: «والقسم الثاني يتعلق بالتعرض لنفي الصانع، ولهم في ذلك طريقان:
أحدهما: أن إثبات قائم بنفسه يتقدس عن الجهات المحاذيات غير معقول.
والثاني: يتعلق بالتعديل والتجويز، والحكم بأن الحكيم [ ص: 476 ] لا يفعل الفعل إلا لغرض، والغرض ما له الضر والنفع، وذلك يستحيل على القديم».
قلت: هاتان أيضا كلامهم فيهما مع المعتزلة في الأصل، فإنهم جهمية أثبتوه بالصفات السلبية، وهم أيضا قدرية، ثم انتقلت هذه الحجة إلى المرجئة، فجاوبوهم في المقدمة الثانية ببعض جواب المعتزلة، وأجابوهم في الصفات بجواب يقال: إنه متناقض.
قال أبو المعالي: «والقسم الثالث يشتمل على الاستشهادات بالشاهد على الغائب من غير رعاية وجه في الجمع بينهما».
قال: «والقسم الرابع من كلامهم يشتمل على ضروب من التمويهات».
قلت: قد نبهنا على القسم الثالث، والمقصود هنا القسم الثاني، فإنه الذي ذكروا فيه نفي الصانع، وهو أعظم كلامهم؛ والحجة العظمى التي عول عليها ابن الراوندي المصنف «كتاب التاج في قدم العالم» ومحمد بن زكريا المتطبب، فيما صنفه [ ص: 477 ] في ذلك حيث قال بالقدماء الخمسة، والاحتجاج بها على قدم العالم: تارة مع الإقرار بالعلة الموجبة، وتارة مع عدم ذلك.