الوجه السادس والأربعون: قوله: «فأثبتوا لله وجها بخلاف [ ص: 370 ] وجوه الخلق، ويدا بخلاف أيد الخلق، ومعلوم أن الوجه واليد بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال».
يقال له: لا نسلم أن هذا غير مقبول، كما يقبل أشباهه وتوابعه، بل قبول وجوه وأيد لا تكون من جنس وجوه المخلوقين وأيديهم، من جنس قبول ذات لا تكون من جنس ذوات المخلوقين، وسمع وبصر وعلم وإرادة، لا تكون من جنس سمعهم وأبصارهم وعلمهم وإراداتهم شيئا; فإن الذات عين قائمة بنفسها، وهذه صفات لها ومنها، وكل في ذلك ليس من جنس الأعيان المخلوقة وصفاتها التي لها ومنها، وإن كان اللفظ متواطئا فيها. وقول القائل: إن الوهم والخيال لا يقبل ذلك في الوجه. كقول غيره: إن الوهم لا يقبل ذلك في العلم. وهو قول نفاة الصفات. وهو كقول القائل: إن الوهم والخيال لا يقبل [ ص: 371 ] ذلك في الذوات مطلقا عند كل من أثبت الذوات.
وليس له أن يقول: فمقصودي أننا متفقون على الإقرار بما لا يقبله الوهم والخيال: فإن هذا باطل من وجوه:
أحدها: أنه لا فرق بين العقل والاعتقاد والعلم، والوهم والخيال والظن من هذا الباب.
الثاني: أن مورد النزاع قد قيل: إنه معلوم بالفطرة انتفاؤه عقلا، وموقع الإجماع ليس كذلك.
الثالث: أن موقع النزاع معلوم الانتفاء بالوهم والخيال، وموقع الإجماع إنما يقال فيه أن الوهم عاجز عنه، كما بين ذلك.
الرابع: أن إثبات صفات لا تعلم كيفيتها لذات لا تعلم كيفيتها، ليس ممتنعا في العقل ولا في الوهم والخيال، إنما الممتنع ثبوت ذات قائمة بنفسها لا داخل العالم ولا خارجه.
الخامس: أنه إذا عرض على الفطرة وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه نفت ذلك، وأنكرته وقضت بعدمه، وإذا عرض عليها يد ليست جسما، كأيد المخلوقين، وعلم ليس عرضا كعلم المخلوقين، لم يقض بعدم فهمه ومعرفته، أو بعلمه من وجه دون وجه.
ولهذا تنفر الفطرة عن الأول ما لا تنفر عن الثاني.
وتحرير الأمر أن يقال: [ ص: 372 ]