قال الرازي: "ورابعها ثم اعترفنا بأنه تعالى خالق العالم [ ص: 300 ] لغير شيء من هذا". أنا لا نعقل فاعلا يفعل فعلا إلا لجلب منفعة أو دفع مضرة.
والكلام عليه من نمط الذي قبله -وإن كان هذا السؤال هو ببحوث القدرية والمعتزلة أخص، كما أن الذي قبله ببحوث الفلاسفة والدهرية أخص- وذلك من وجوه: أحدها: أن غاية هذا ثبوت ما لا نظير له، وليس ذلك ممتنعا، كما تقدم، ولا فرق في ذلك بين حكم الحس والخيال وحكم العقل، كما تقدم غير مرة.
الثاني: أنه هو خالق كل شيء، ومن أجلب لنفسه منفعة من غيره أو دفع عن نفسه مضرة من غيره كان محتاجا إلى ذلك، وهذه حال الفقر إلى غيره، فما دل على أنه رب العالمين دل على غناه عن غيره، وبذلك أخبر عن نفسه كما قال: [ ص: 301 ] وتمام الكلام كما بيناه قبل. "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"
الوجه الثالث: أن يقال: ما تعني بقولك: "إنا لا نعقل فاعلا يفعل فعلا إلا لجلب منفعة أو لدفع مضرة، ثم إنا اعترفنا بأنه تعالى خالق العالم لغير شيء من هذا"؟ أتريد كما يوجد أن الحي من الإنسان وغيره يطلب ما ينفعه ويلائمه من غيره، ويدفع ما يخاف عليه من الضرر من نفسه ومن غيره؟ فهذا حق؛ فإنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين لا يحتاج إليهم؛ بل هو الأحد الصمد الحي القيوم، وهو سبحانه لا يخاف ضرر شيء لا من نفسه ولا من غيره؛ بل العباد عاجزون عن أن يلحقوا به ضررا أو نفعا قال تعالى: في الحديث الصحيح الذي رواه رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه منزه عن نعوت المخلوقين الناقصين المحتاجين إلى غيرهم في اجتلاب منافعهم ودفع مضارهم، ": يا عبادي إنكم لن [ ص: 302 ] تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني".
أو تريد أنه سبحانه وتعالى لا يحب فعله ويرضاه ويفرح به؟ فإن أردت هذا لم يسلم لك ذلك، فإن الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة قد دل على وصفه بالمحبة والرضا والفرح.
أو تريد أنه لا يحدث له في هذه الأمور ما لم يكن قبل ذلك؟ فهذا هو "الوجه الأول" وقد تقدم الكلام عليه.