إذا عرف هذا، فقوله في هذا الحديث: ليس فيه إلا تقريبه وإدناؤه إلى الله تعالى، وهذا له نظائر لا يحصيها إلا الله، وقد تقدم ذكر بعضها، وبعضها يحصل العلم الضروري بدلالة النصوص على الدنو إلى الله تعالى والقرب إليه، والنصوص الدالة على ذلك أضعاف [ ص: 181 ] النصوص الدالة على الصعود إلى الله تعالى، فإن الصعود إلى الله تعالى نوع من القرب، وكما أن دلالات النصوص على ذلك من أعظم المتواترات، فالعلم بها أيضا مستقر في فطر المسلمين، عامتهم وخاصتهم، كما استقر في فطرهم أن الله فوق، «يدنو المؤمن من ربه، أو أن الله يدني المؤمن، أو يؤتي بالمؤمن يوم القيامة فيدنيه الله منه» وكلهم يسمون الطاعات قربات، ويقولون: إنا نتقرب بها إلى الله، وليس فيهم من ينكر بفطرته التقرب إلى الله إلا من غيرت فطرته بنوع من التجهم والتعطيل، كما أنه ليس منهم من ينكر رفع يديه إلى الله تعالى إلا من غيرت فطرته بنوع من التجهم والتعطيل، وكل واحد من هذين الأصلين يستلزم الآخر، فإنه إذا كان فوق العرش أمكن القرب، وكان علوه دليلا على إمكان القرب منه، وإذا ثبت أنه يمكن القرب منه ثبت أنه حيث يمكن القرب منه. [ ص: 182 ] كلهم مقرون بأن العبد قد يتقرب إلى الله، وأن العباد منهم المقرب وهو الذي يقربه الله عز وجل إليه، ومنهم الملعون الذي يبعده الله عز وجل عنه،
ولهذا يحتجون بكل من الأصلين، فإن أبا محمد عبد الله بن كلاب وأصحابه، وأبا الحسن الأشعري، وأئمة أصحابه، لا ينازعون في أن الله تعالى فوق العرش، وفي أنه يمكن التقرب إليه نفسه، وهم يستدلون بأحدهما على الآخر، وإن قالوا مع ذلك: إنه ليس بجسم، وإن كان بينهم وبين غيرهم نزاع في أن قولهم متناقض أو غير متناقض، ولهذا كان كثير من متأخري أصحابه ينكرون أنه فوق العرش، ويوافقون المعتزلة في نفي ذلك، أن ثبوته يستلزم التجسيم.