الوجه السابع: أن يقال: سلمنا أن كما يقال: اصمد صمد هذا الأمر، أي: اقصد قصده، فالقصد هو الدعاء والمسألة والطلب، وذلك إنما يكون بقلوب الناس وبواطنهم وبأيديهم ووجوههم وغير ذلك من أعضائهم الظاهرة، وذلك يمتنع إلا فيمن يكون بجهة منهم، فمن لا يعرفون أين هو ولا يعرفونه في جهة يمتنع على قلوبهم وجوارحهم المختلفة قصده، فيمتنع كونه صمدا؛ ولهذا كان الداعون والقاصدون لله من الأمم المختلفة يجدون في قلوبهم علما ضروريا بتوجههم إلى العلو، كما تقدم تقرير هذا، وإذا كان [ ص: 559 ] كذلك فهو قدر أنه لا يمكن أن يكون في العلو إلا ما هو جسم، وذكر أن ذلك معلوم بالضرورة، فيكون هذا التفسير يدل على أن الله تعالى هو الذي يسمونه جسما بهذين العلمين الضروريين: الصمد هو ما يصمد إليه العباد في أنفسهم، أي يقصدون إليه،
أحدهما: العلم الضروري بأن العباد إذا قصدوا الله، ودعوه، توجهوا بقلوبهم وظاهرهم إلى العلو، ويمتنع أن يقصدوا ما لا يكون في العلو ولا في غيره، ولا يكون داخل العالم ولا خارجه.
الثاني: العلم الضروري بأن ما كان فوق العالم فإنه يكون ذاهبا في الجهة، ويكون بائنا عن العالم، ويكون قائما بنفسه، وهذا هو المعنى الذي يسمونه جسما، وهذا تقرير ليس للمنازع فيه حيلة، وهو مبني على مقدمتين ضروريتين:
إحداهما: لا ينازع هو فيها وإن نازع فيها كثير من [ ص: 560 ] الصفاتية.
والثانية: وهو ينازع فيها، لكن لا ينازع فيها جماهير البرية، والنزاع في الضروريات غير مقبول.
الوجه الثامن: أنه أجاب بوجهين:
أحدهما: منع تفسير الصمد بأنه الذي لا جوف له، بل هو السيد المصمود إليه، ودعوى وجوب حمل الآية على المجاز، وقد بينا أن ذلك التفسير لا يمكن النزاع فيه، وأن التفسير الآخر يدل على صحة التفسير الأول، ويدل على مذهب المنازع أيضا.
وأما حمل الآية على المجاز فيقال له: هذا لا يجوز؛ لأن الآية نزلت جوابا عن مسألة المشركين وأهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم عن صفة ربه، فيجب ألا يجعلها من صنف المتشابه.