[ ص: 243 ] فصل
الجهمية المعتزلة ومن وافقهم الذي بنوا عليه هذا هو "مسألة الجوهر الفرد" فإنهم ظنوا أن القول بإثبات الصانع، وبأنه خلق السموات والأرض، وبأنه يقيم القيامة، ويبعث الناس من القبور: لا يتم إلا بإثبات الجوهر الفرد، فجعلوه أصلا للإيمان بالله واليوم الآخر. أما جمهور وأصل هؤلاء المتكلمين من المعتزلة ومن وافقهم كأبي المعالي وذويه فيجعلون الإيمان بالله تعالى لا يحصل إلا بذلك، وكذلك الإيمان باليوم الآخر، إذ كانوا يقولون لا يعرف ذلك إلا بمعرفة حدوث العالم، ولا يعرف حدوثه إلا بطريقة الأعراض، وطريقة الأعراض مبنية على أن الأجسام لا تخلو منها. وهذا لم يمكنهم أن يثبتوه إلا بالأكوان: التي هي الاجتماع، والافتراق، والحركة، [ ص: 244 ] والسكون. فعلى هذه الطريقة اعتمد أولوهم وآخروهم حتى القائلين بأن الجواهر لا تخلو عن كل جنس من أجناس الأعراض، وعن جميع أضداده إن كان له أضداد، وإن كان له ضد واحد لم يخل الجوهر عن أحد الضدين، وإن قدر عرض لا جنس له لم يخل الجوهر عن قبول واحد من جنسه إذا لم يمنع مانع من قبوله، فإن هذا أبلغ الأقوال. وهو قول أصحاب ومن وافقهم: الأشعري، كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى، وأبي المعالي الجويني، وأبي الحسن [ ص: 245 ] الزاغوني، وغيرهم، فإنه لم يمكنهم أن يثبتوا أن الجسم لا يخلو من الأعراض إلا بالأكوان. ثم عند التحقيق لم يمكنهم أن يثبتوا ذلك إلا بالاجتماع والافتراق؛ فإن منهم من يقول: الكون أمر عدمي. ومنهم من يقول الكون الذي هو الحركة والسكون إنما يلزم إذا كان الجسم في مكان، فأما [إذا ] لم يكن في مكان فيجوز خلوه عن الحركة والسكون، كما يقوله طوائف كالذين قالوا ذلك من الكرامية، فآل الأمر بهذه الطريقة إلى الاجتماع والافتراق، وعلى ذلك اعتمد أبو المعالي وغيره من الأشعرية، وعلى ذلك اعتمد محمد بن الهيصم وغيره من الكرامية ومعلوم أن قبول الاجتماع والافتراق لم يمكنهم حتى يثبتوا أن الجسم يقبل الاجتماع والافتراق، وذلك مبني على أنه مركب من الأجزاء التي هي الجواهر المنفردة، فصار الإقرار بالصانع مبنيا عند هؤلاء المتكلمين على إثبات الجوهر الفرد.
[ ص: 246 ] ثم الذين ذكروا أن لهم طريقا إلى إثبات الصانع غير هذه كأبي عبد الله الرازي وغيره، وهو الذي عليه وغيره من الحذاق. قال من قال من هؤلاء: إن إثبات المعاد موقوف على ثبوت الجوهر الفرد، وهذا قول أبو الحسن الأشعري أبي عبد الله الرازي وغيره، وهو مخلص ممن جعله الأصل في الإيمان بالله، فجعله هو الأصل في الإيمان بالمعاد، مع كونه يجعله أصلا في نفي الصفات التي ينكرها -كما سيأتي بيانه- قال في بعض أكبر كتبه الكلامية الذي سماه "نهاية العقول" في الأصل السابع عشر: