[ ص: 447 ] فصل
النصوص قد أخبرت والعقول قد دلت، على ثبوت صفات لله متنوعات له، من العلم والقدرة، والحب والبغض، والسمع والبصر، فإذا كان مع ذلك قد لزم القول بأفعال تقوم بذاته، كما تقوله طوائف من أهل الفلسفة والكلام، مع جماهير أهل الحديث والفقه والتصوف وسلف الأمة، وأن الأفعال متعلقة بمشيئته وقدرته، وقد علم ما دلت عليه النصوص مع أن في العقول تنبيها عليه، من قوله: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [الزمر: 67] فإنه إذا كان جملة السموات مقبوضة بيمينه، وقد قال «ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما وما بينهما في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم» وقد علم بالعقل أنه يجب أن يكون أعظم بكل وجه من مخلوقاته ومبتدعاته، إذ كل ما فيها من وجود وكمال، فهو من أثر قدرته ومشيئته فهو أعظم وأكبر، وإذا كان كذلك كانت أفعاله التي [ ص: 448 ] يفعلها بذاته تناسب ذاته، وكانت أعظم وأجل من أن يدرك عقول البشر قدرها، وإذا كان من المعلوم أن حدوث هذه المتكونات من استحالة العناصر والمولدات أعظم نسبة إلى الفلك من الخردلة إلى الإنسان العظيم -إذ في الإنسان من قدر الخردل أكثر مما في الفلك من قدر العناصر والمولدات- فنسبة الأفلاك وما فيها إلى الرب تعالى دون نسبة حوادثها المتكونة إلى الفلك، فإذا جاز أن تكون هذه محدثة بحركة مشهودة حادثة في الفلك، فحدوث الفلك وما فيه لفعل يفعله الرب أولى بالجواز؛ وأبعد عن الامتناع -وله المثل الأعلى- هذا مع أن هذه المحدثات إنما هي منسوبة عندهم إلى فيض العقل الفعال، مع إعداد حركات جميع الأفلاك للقوابل، وحينئذ فتكون نسبة المحدثات إلى ذلك نسبة كثرة، أعظم من نسبة الخردلة إلى الإنسان بكثير. ولهذا يظهر ذلك للعباد في المعاد، إذا قبض الجبار الأرض بيده وطوى السموات بيمينه ثم هزهن وقال: ابن عباس: [ ص: 449 ] «أنا الملك أين ملوك الأرض؟» «أين الجبارون؟، أين المتكبرون؟».
وإنما وكان ينبغي كلما شهدوه من عظم العالم وقدره يدلهم على قدر مبدعه؛ لكن لما ضل من ضل منهم لم يثبت لخالقه ومبدعه إلا وجودا مطلقا لا ينطبق إلا على العدم، وإن أثبت له نوعا من الخصائص الكلية، فهي أيضا لا تمنع أنه إنما يطابق العدم، ولهذا كان هؤلاء من الدهرية المعطلة نظيرا للصفاتية الذين لا يثبتون حقيقة الذات المباينة للعالم، فإن حقيقة قولهم يعود إلى قول معطلة الصفات أيضا. يعظم على الجهال من المتفلسفة، وأمثالهم وأشباههم، تقدير حدوث العالم وتغيره، لأنهم لم يقدروا الله حق قدره،