وهذا كله تصريح بأن الرفع والصعود إلى الله نفسه. وقال أيضا: وقال الله تعالى: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [ ص: 185 ] [الأنعام: 162]. وقال: ولو ترى إذ وقفوا على ربهم [الأنعام: 30]. وقال: ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم [السجدة: 12]. وقال تعالى: وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة [الكهف: 48]. جل وعز وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، جل عما يقول الذين لم يثبتوا له في وصفهم حقيقة، ولا أوجبوا له بذكرهم إياه وحدانية، إذ كان كلامهم يؤول إلى التعطيل، وجميع أوصافهم تدل على النفي في التأويل، ويريدون بذلك [ ص: 186 ] –زعموا- التنزيه ونفي التشبيه، فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل. قال: وكل هذا يدل على أنه ليس في خلقه ولا خلقه فيه، وأنه سبحانه مستو على عرشه،
قال: وروت العلماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وروت العلماء «إن العبد لا تزول قدماه من بين يدي رب العالمين حتى يسأله عن ثلاث» قال: وهذا يدل على أن [ ص: 187 ] الله على عرشه فوق السماء. أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأمة سوداء، فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أعتقها في كفارة، فهل يجوز عتقها؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أين الله؟» قالت: في السماء. وأومأت بيدها إلى فوق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «أعتقها فإنها مؤمنة»
وقد أثبت ما هو أبلغ من ذلك من أبو الحسن الأشعري وحكاه عن أهل السنة والجماعة، فقال في كتاب المقالات في حكاية قول جملة أصحاب [ ص: 188 ] الحديث وأهل السنة. قرب الله تعالى إلى خلقه،
قال: "جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة -وذكر ما نقلناه عنه قبل هذا وفيه- ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال تعالى: وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر: 22]. وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: [ ص: 189 ] ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]. ثم قال: "وبكل ما ذكرناه من قولهم نقول".
قال في الإبانة: وجملة قولنا أنا نقر بالله تبارك وتعالى، وذكر نحوا مما ذكره في المقالات إلى أن قال: ونقول: إن الله يجيء يوم القيامة كما قال: وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر: 22]. وأن الله تعالى يقرب من عباده كيف يشاء كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]. وكما قال: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى [النجم: 8-9]. وله كلام غير هذا، وهو صريح في أن حيث قال: كيف يشاء. قربه إلى خلقه عنده من الصفات الفعلية،
والقرب بالعلم والقدرة لا يجوز تعليقه بالمشيئة، لأن علمه وقدرته من لوازم ذاته، فهذا من اتفاق عامة الصفاتية [ ص: 190 ] على إثبات قرب الخلق إلى الله عز وجل وقربه إليهم، وهذا الذي قاله وحكاه عن أهل السنة، تلقاه عن الأشعري، وغيره من أئمة البصريين، وهذا اللفظ الذي ذكره في القرب محفوظ عن زكريا بن يحيى الساجي إمام أهل السنة في عصر حماد بن زيد [ ص: 191 ] مالك، والثوري، والأوزاعي.
قال في كتاب السنة: أنا الخلال جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أحمد بن محمد المقري، حدثنا سليمان بن [ ص: 192 ] حرب قال: سأل بشر بن السري فقال: يا أبا حماد بن زيد إسماعيل، الحديث الذي جاء فسكت «ينزل الله إلى السماء يتجول من مكان إلى مكان» حماد ثم قال: هو في مكان يقرب من خلقه كيف يشاء، وهذا يذكر في موضعه، وأما حديث إدنائه إليه ووضع كنفه عليه، فهو أظهر من هذا، ولم ينازع أحد من الصفاتية المتقدمين أصلا، كما لم ينازعوا [ ص: 193 ] في أن الله تعالى فوق العرش، وقد نص الأئمة على إقراره، قال في كتاب السنة: باب (يضع كنفه على عبده تبارك وتعالى) أخبرني الخلال محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدثهم قال: قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يدني العبد يوم القيامة فيضع عليه كنفه»؟ قال: هكذا يقول: «يدنيه ويضع كنفه عليه» كما قال: «ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟».
قال أنبأنا الخلال: قال: قوله: «فيضع عليه [ ص: 194 ] كنفه» يقول: ناحيته، قال إبراهيم الحربي إبراهيم، أخبرني أبو نصر، عن يقال: أنا في كنف بني فلان، أي في ناحيتهم، وأنا في ظلك، أي قربك. قال الأصمعي، إبراهيم: وأنبأنا عمرو، عن أبيه قال: كنف (جانب)، وأنشدنا: وأرحب له كنفا ... قال: [ ص: 195 ] وأنشدني أبو عبد الله النحوي:
بأكناف الحجاز هوى دفين يؤرقني إذا هدت العيون