والمقصود بيان هذا، لا ريب في هذا الوجود المشهود، المستلزم لوجود الموجود القديم الواجب، فإن نفس الوجود يستلزم موجودا قديما، واجبا بنفسه، إذ كل موجود فإما أن يكون واجبا قديما أو يكون محدثا أو ممكنا. والمحدث لا بد له من محدث، والممكن لا بد له من واجب. وهذا مما لا ينازع فيه أحد من بني آدم؛ وإنما يقال لهم: الدهرية تقول: هذا العالم قديم واجب بنفسه، أو يقولون: هو معلول علة قديمة واجبة بنفسها. فيقال لهؤلاء: إن قلتم إن هذا العالم واجب الوجود بنفسه قديم، لزمكم هذه المحالات وأضعافها، فإنه يقال لكم: لأي سبب تحرك الفلك الأعلى وغيره من الأفلاك، ولم حصلت هذه الاستحالات؟ فإن هذه أمور حادثة بعد أن لم تكن، وهي ممكنة قطعا، فالمحدث لها سواء كان الفلك أو غيره، الذي قد قدر أنه قديم واجب الوجود بنفسه، إن أحدثها لغرض، لزم أن يكون مستكملا بها، والتقدير أنه قديم واجب الوجود بنفسه، فقد لزمكم أن يكون القديم الواجب الوجود بنفسه مستكملا بغيره، وهذا هو المحال الذي فررتم منه، فقد وقعتم فيه، مع ما في ذلك من المحالات اللازمة على هذا التقدير، مثل امتناع كون الفلك الأعلى، هو المحدث لجميع الحركات وغير ذلك، حتى لو قدر في كل فلك متحرك، أنه قديم واجب الوجود [ ص: 482 ] بنفسه، كان هذا السؤال قائما فيه، وفي حركاته الحادثة بعد أن لم تكن. وكذلك إن قالوا: تحرك لأجل العناية بالسافلات، لزم أن يكون الأعلى خادما للأدنى، وأن تكون هذه الغاية أعلى من الفاعل، الذي هو أشرف منها، وهو متناقض.