قال: (واختلفوا في فقال قائلون: يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا، ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات. وأجاز بعضهم عليه رؤية الله تعالى بالأبصار على تسع عشرة مقالة. وأصحاب الحلول إذا رأوا إنسانا يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه. وأجاز كثير ممن أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم. وقالوا: إن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك، حكي ذلك عن أصحاب الحلول في الأجسام. "مضر" [ ص: 540 ] و "كهمس" وحكي عن أصحاب أنهم كانوا يقولون: إن الله تعالى يرى على قدر الأعمال، فمن كان عمله أفضل رآه أحسن، وقد قال قائلون: إنا نرى الله تعالى في الدنيا في النوم فأما في اليقظة فلا، وروي عن "عبد الواحد بن زيد" أنه قال: رأيت رب العزة في [ ص: 541 ] النوم. فقال: لأكرمن مثواه -يعني "رقبة بن مصقلة" سليمان التيمي - صلى الفجر بطهر العشاء أربعين سنة ). [ ص: 542 ] قال: (وامتنع كثير من القول إنه يرى في الدنيا ومن سائر ما أطلقوه، وقالوا: إنه يرى في الآخرة ).
قال: (واختلفوا أيضا في ضرب آخر، فقال قائلون: نرى جسما محدودا مقابلا لنا في مكان دون مكان، وقال "زهير الأثري": ذات الباري في كل مكان، وهو مستو على عرشه، ونحن نراه في الآخرة على عرشه تعالى وتقدس بلا كيف، وكان يقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة إلى مكان لم يكن خاليا منه، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا ولم تكن خالية منه ).
قال: (واختلفوا في رؤية الله تعالى بالأبصار: هل هي إدراك له بالأبصار، أم لا؟ فقال قائلون: هي إدراك له بالأبصار، وهو يدرك الأبصار. وقال قائلون: يرى الله تعالى بالأبصار ولا يدرك بالأبصار.
واختلفوا في ضرب آخر، فقال قائلون: [ ص: 543 ] قال قائلون: لا يرى الله جهرة ولا معاينة. ومنهم من يقول: أحدق إليه إذا رأيته، ومنهم من يقول: لا يجوز التحديق إليه. وقال قائلون -منهم نرى الله جهرة ومعاينة. "ضرار" و "حفص الفرد" إن الله لا يرى بالأبصار ولكن يخلق حاسة يوم القيامة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها، وندرك ما هو بتلك الحاسة. وقالت "البكرية": إن الله يخلق صورة يوم القيامة يرى فيها ويكلم خلقه فيها. وقال "الحسين النجار": يجوز أن يحول الله تعالى العين إلى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها، ويكون ذلك العلم رؤية له: أي [ ص: 544 ] علما له.
قال: (وأجمعت المعتزلة على أن الله تعالى لا يرى بالأبصار، واختلفت هل يرى بالقلوب؟ فقال "أبو الهذيل" وأكثر المعتزلة : إن الله تعالى يرى بقلوبنا. بمعنى أنا نعلمه بها، وأنكر ذلك "الفوطي" و "عباد". وقالت المعتزلة والخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية: [ ص: 545 ] إن الله لا يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة، ولا يجوز ذلك عليه. واختلفوا في الرؤية لله تعالى بالأبصار، وهل يجوز أن تكون؟ أو هي كائنة لا محالة؟ على مقالتين، فقال قائلون: يجوز أن يرى الله تعالى في الآخرة بالأبصار، وقال قائلون: إنه بيانا، قال: نقول إنه يرى بالأبصار. وقال قائلون: نقول [ ص: 546 ] بالأخبار المروية وبما جاء في القرآن أنه مرئي بالأبصار في الآخرة بيانا، يراه المؤمنون ).
قال: (وكل المجسمة إلا نفرا يسيرا يقولون بإثبات الرؤية، وقد يثبت الرؤية من لا يقول بالتجسيم ).