فصل
الرازي: الفصل الثاني: "في وصف القرآن بأنه محكم ومتشابه" اعلم أن كتاب الله دل على أنه بكليته محكم، ودل على أنه بكليته متشابه، ودل على أن بعضه محكم وبعضه متشابه، أما الذي يدل على أنه بكليته محكم فقوله تعالى: قال الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير [هود: 1]. وقوله الر تلك آيات الكتاب الحكيم [يونس: 1]. فذكر في هاتين الآيتين أن جميعه محكم، والمراد من المحكم بهذا المعنى كونه حقا في ألفاظه، وكونه حقا في معانيه، فكل كلام سوى القرآن فالقرآن أفضل منه في لفظه ومعناه، وأن أحدا من [ ص: 338 ] الخلق لا يقدر أن يأتي بكلام يساوي القرآن في لفظه ومعناه، والعرب تقول في البناء الوثيق والعهد الوثيق الذي لا يمكن حله: إنه محكم، فهذا معنى وصف كل القرآن بأنه محكم.
وأما الذي يدل على أنه كله متشابه فهو قوله تعالى: كتابا متشابها مثاني [الزمر: 23]. والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والفصاحة، ويصدق بعضه بعضا، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء: 82]. أي: لكان بعضه واردا على نقيض الآخر، ولتفاوت نسق الكلام في الجزالة والفصاحة، وأما الذي يدل على أن بعضه محكم وبعضه متشابه، فهو قوله تعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [آل عمران: 7]. [ ص: 339 ]