الوجه السابع: أن قوله: «رأيت ربي في أحسن صورة» لو عاد إلى الرائي لوجب أن يكون حين الرؤية كان في أحسن صورة، والحديث يدل على أنه لفرحه وسروره بالرؤية أشرق لونه، وطابت نفسه، فيكون ذلك بعد الرؤية، فامتنع أن يكون قوله هذا حجة، فبطل قولهم.
الوجه الثامن: أن لفظه فهذا صريح بأن إتيان ربه له في أحسن صورة ليس هو طيب نفسه وإشراق لونه. «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وهو طيب النفس، مشرق اللون، فقلنا: ما له؟ فقال: ما لي، وأتاني ربي الليلة في أحسن صورة»
الوجه التاسع: قوله في الوجه الثاني «أن المراد من الصورة: الصفة، ويكون المراد الإخبار عن حسن حاله عند الله، وأنه أنعم عليه بوجوه كثيرة عظيمة من الإنعام» باطل من وجوه:
[ ص: 362 ] أحدها: أن النعم المخلوقة للعبد المنفصلة عنه لا تكون صفة له بحال؛ فإن الموصوف لا يوصف إلا بما قام به من الصفات لا بشيء لا يقوم به بحال، وقد تقدم تقرير هذا، ولو جاز هذا لجاز وصف الله بجميع الموجودات، وأن يكون جميعها صفات لله، ولجاز وصف العبد بكل ما يملكه الله تعالى إياه.
الثاني: أن لفظ الصورة لا يقال إلا على ما هو قائم بذي الصورة، فأما الأمور المنفصلة عنه التي لا تقوم به فلا تكون صورة له، كما تقدم.
الثالث: أنه لو أريد بالصورة الصفة لكان جمال صورته وحسنها أولى بأن يكون معنى هذا الوجه دون أن يكون هذا المعنى هو معنى لفظ الصورة، وتكون النعم المنفصلة معنى لفظ الصورة.
الرابع: قوله: وذلك لأن الرائي قد يكون بحيث [ ص: 363 ] يتلقاه المرئي بالإكرام والتعظيم، وقد يكون بخلافه، فعرفنا الرسول أن حاله كان من القسم الأول.
يقال له: الإكرام والتعظيم هو من فعل الله تعالى، فهو بأن يكون صفة له أولى من أن يكون صفة للكريم المعظم، فإما أن يكون صفة لهما أو للمكرم أما جعله صفة للمكرم فقط فباطل؛ وذلك لأن الإكرام إن كان أمرا قائما بذات المكرم فهو الوجه الأول، وإن كان منفصلا عنه فمن المعلوم أن كونه صفة لله أولى؛ لأن الله فعله، والله يوصف بنفس الفعل الذي هو الخلق والتكوين عند عامة أهل الإثبات، وإن خالف في ذلك الجهمية من المعتزلة، ومن تبعهم من متكلمة الصفاتية ونحوهم.