قلت: فقد ذكر عن المجسمة قولين:
أحدهما: أنه لا يوصف بالطول والعرض والعمق، وذكر هؤلاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معنى ذلك أنه موجود، ولا يثبتون الباري تعالى ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة، ويزعمون أن الله سبحانه وتعالى مستو على العرش بلا كيف.
[ ص: 341 ] والقول الثاني أنه جسم، وأنكروا أن يكون يوصف بالكيفيات الخمس أو بشيء مما وصفه به هشام، غير أنه على العرش مماس له دون ما سواه.
وهذان القولان يشبهان القول الذي ذكره الرازي عن قدماء الكرامية.
والقول الثالث: إثبات أن الباري تعالى متلون، ومنع أن يكون ذا طعم أو لون أو رائحة أو طويل أو عريض أو عميق ، لكنه متحرك.
والقول الثاني الذي ذكره عن المجسمة: أنه طويل عريض عميق، وأن هؤلاء يقولون: معنى الجسم أنه الموجود القائم بنفسه، وأنه مع ذلك الطويل العريض العميق الموصوف بالحركة والسكون، وما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي، فقولهم [ ص: 342 ] هو الموجود القائم بنفسه لا ينافي عندهم قولهم هو الطويل العريض العميق الموصوف بالحركة والسكون؛ لأنه عندهم موجود قائم بنفسه إلا كذلك، وهذا قول أئمة المجسمة وجمهورهم كهشام وغيره، وهو أيضا قول طوائف من الكرامية؛ لكن هشام وأصحابه / لا يثبتون للجسم صفة غير نفسه، ولهذا يقول لا موجود إلا الجسم، ولهذا لا يقول إن صفته غيره.