الوجه الثاني: قوله: " لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا للحيز كونه بحيث يمنع غيره عن أن يكون بحيث هو ".
[ ص: 66 ] يقال: قد تقدم أن وكلاهما أمر وجودي، وليس كونه مختصا بالحيز بهذا المعنى أن يكون شاغلا لحيز بل الحيز هنا إما بعضه وإما ما يلاقيه من خارج، وليس في شيء من هذين كونه شاغلا لحيز. وقد يراد بالحيز ما هو تقدير المكان. وهذا هو الحيز عند كثير من أهل الكلام الذين يفرقون بين الحيز والمكان. والحيز على هذا أمر عدمي كما تقدم تقرير ذلك. الحيز قد يراد به ما يحوز الشيء وهي نهاياته وحدوده الداخلة فيه، وقد يراد به الشيء الذي يكون منفصلا عنه وهو محيط به،
وقوله: " إنا نعلم بالضرورة أن الأحياز بأسرها متساوية، لأنها فراغ محض وخلاء وصرف.. " وقوله: " قبل خلق [ ص: 67 ] العالم ما كان إلا الخلاء الصرف والعدم المحض وبينا ذلك".
ويكفي أن يقال هنا لا نسلم أن الحيز أمر موجود، وإذا لم يكن هناك موجود فقوله: شاغل لذلك الحيز. ليس فيه معنى زائد على كونه موجودا بنفسه بحيث يشار إليه.
وقوله:" لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا لذلك الحيز كونه بحيث يمنع غيره". لا يستقيم حتى يبين أن الاختصاص بالحيز كونه هو الشغل لذلك الحيز. وهو لم يفعل ذلك. فإذا قيل: الاختصاص بالحيز هو الاختصاص بما يحوزه من الجوانب لم يكن معناه ذلك. وإذا قيل هو الاختصاص بتقدير المكان بالمتحيز، فالاختصاص بالحيز بهذا المعنى يوجب كونه متحيزا، فلا حاجة إلى ما ذكره من الدليل على كونه متحيزا، وأما كونه منع غيره أن يكون بحيث هو فهذا مبني على تداخل الأجسام وليس هذا داخلا في حقيقة المتحيز، فإن المتحيز يعلم أنه متحيز قبل العلم بكونه بحيث يمنع غيره أن يكون بحيث هو.