وأما ما تزيده المعطلة على ذلك من نفي صفاته التي وصف بها نفسه التي يجعلون نفيها تنزيها وإثباتها تشبيها، ومن نفى حده وعلوه على عرشه وسائر صفاته التي وصف بها نفسه يجعلون نفيها تنزيها ويجعلون إثبات ذلك إثباتا لانقسامه [ ص: 467 ] وتفرقه الذي يسمونه تجسيما وتركيبا؛ فهذا باطل.
وليتدبر هذا المقام فإنه من أعظم الأشياء منفعة في أعظم أصول الدين الذي جاءت به هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن وفيه عظم اضطراب الخلائق وكثر فيه تعارض الحجج وتفرق الطوائف، وإذا كانت هذه الشبهة ونحوها هي أصل ضلال الأولين والآخرين لما فيها من ألفاظ المشبهة المجملة، كما قال في وصف الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، قال: فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فطريق حل مثلها وأمثالها ما تقدم من الكلام على الألفاظ المتشابهة المجملة التي فيها [ ص: 468 ] والتي أحدثوها، وليس لها أصل في كتب الله؛ ولهذا كان هؤلاء من الذين الإمام أحمد يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم [غافر 35]؛ إذ السلطان هو كتاب الله فمن جادل بغير سلطان من الله كان ممن ذمه الله في الكتاب، قال الله تعالى : الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار [غافر 35]، قال تعالى: إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير [غافر 56] فإن هذه الألفاظ المشتبهة متى استفسر عن معانيها وفصلت زال ما في حجتهم من الاشتباه وتبين أنها حجة داحضة، وإن كان هؤلاء ممن قال الله تعالى فيهم : وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال [الرعد 13] .
وقال تعالى: أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص [الشورى 34-35] .