قلت: أهل الإثبات المنازعون وذويه يجيبون عن هذا بوجوه: للخطابي
أحدها: أن هذا الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما يوصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها الحد، وإنما فيقال: حد الإنسان وحد كذا وهي الصفات المميزة له، ويقال: حد الدار والبستان وهي جهاته وجوانبه المميزة له، ولفظ الحد في هذا أشهر في اللغة والعرف العام ونحو ذلك، ولما كان الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره كما هو المعروف من لفظ الحد في الموجودات، الجهمية يقولون [ ص: 43 ] ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي عالم قدير قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون: إنه لا يباين غيره، بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم فيقولون لا داخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجود المخلوقات، فبين أن ابن المبارك وذكر الحد لأن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، الجهمية كانوا يقولون ليس له حد وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد، فلما سألوا أمير المؤمنين - في كل شيء - بماذا نعرفه؟ عبد الله بن المبارك
قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، فذكروا له لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية وبنفيهم له ينفون ملزومه [ ص: 44 ] الذي هو موجود فوق العرش ومباينته للمخلوقات فقالوا له: بحد؟ قال: بحد. وهذا يفهمه كل من عرف ما بين قول المؤمنين أهل السنة والجماعة وبين الجهمية الملاحدة من الفرق .