الوجه الثاني: قوله: سبيل هؤلاء أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس.
فيقولون له: لو وفيت أنت ومن اتبعته باتباع هذه السبيل لم تحوجنا نحن وأئمتنا إلى نفي بدعكم بل تركتم موجب الكتاب والسنة في النفي والإثبات.
أما في النفي فنفيتم عن الله تعالى أشياء لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا إمام من أئمة المسلمين، بل والعقل لا يقضي بذلك عند التحقيق، وقلتم إن العقل نفاها فخالفتم الشريعة بالبدعة والمناقضة المعنوية وخالفتم العقول الصريحة وقلتم: ليس [ ص: 45 ] هو بجسم ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة ولا يشار إليه بحس ولا يتميز منه شيء من شيء وعبرتم عن ذلك بأنه تعالى ليس بمنقسم ولا مركب وأنه لا حد له ولا غاية، تريدون بذلك أنه يمتنع عليه أن يكون له حد وقدر أو يكون له قدر لا يتناهى، وأمثال ذلك. ومعلوم أن فكيف ساغ لكم هذا النفي بلا كتاب ولا سنة مع اتفاق السلف على ذم من ابتدع ذلك وتسميتهم إياهم الوصف بالنفي كالوصف بالإثبات، جهمية وذمهم لأهل هذا الكلام.
وأما في الإثبات فإن الله تعالى وصف نفسه بصفات ووصفه رسوله بصفات فكنتم أنتم الذين تزعمون أنكم من أهل السنة [ ص: 46 ] والحديث دع الجهمية والمعتزلة تارة تنفونها وتحرفون نصوصها أو تجعلونها لا تعلم إلا أماني وهذان مما عاب الله تعالى به أهل الكتاب قبلنا وتارة تقرونها إقرارا تنفون معه ما أثبتته النصوص من أن يكون النصوص نفته وتاركين من المعاني التي دلت عليه ما لا ريب في دلالتها عليه مع ما في جمعهم بين الأمور المتناقضة من مخالفة صريح [ ص: 47 ] المعقول فأنت وأئمتك في هذا الذي تقولون إنكم تثبتونه إما أن تثبتوا ما تنفونه فتجمعوا بين النفي والإثبات وإما أن تثبتوا ما لا حقيقة له في الخارج ولا في النفس، وهذا الكلام تقوله النفاة والمثبتة لهؤلاء كمثل الأشعري والخطابي وغيرهم من الطوائف. والقاضي أبي يعلى
ويقول هؤلاء المثبتة: كيف سوغتم لأنفسكم هذه الزيادات في النفي وهذا التقصير في الإثبات على ما أوجبه الكتاب والسنة وأنكرتم على أئمة الدين ردهم لبدعة ابتدعها الجهمية مضمونها إنكار وجود الرب تعالى وثبوت حقيقته؟ وعبروا عن ذلك بعبارة فأثبتوا تلك العبارة ليبينوا ثبوت المعنى الذي نفاه أولئك فأين في الكتاب والسنة أنه يحرم رد الباطل بعبارة [ ص: 48 ] مطابقة له فإن هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة بل بينا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته.
ويقولون لهم قد دل الكتاب والسنة على معنى ذلك كما تقدم احتجاج الإمام لذلك بما في القرآن؛ مما يدل على أن الله تعالى له حد يتميز به عن المخلوقات وأن بينه وبين الخلق انفصالا ومباينة بحيث يصح معه أن يعرج الأمر إليه ويصعد إليه، ويصح أن يجيء هو ويأتي كما سنقرر هذا في موضعه فإن القرآن يدل على المعنى تارة بالمطابقة وتارة [ ص: 49 ] بالتضمن وتارة بالالتزام وهذا المعنى يدل عليه القرآن تضمنا أو التزاما. أحمد
ولم يقل أحد من أئمة السنة إن السني هو الذي لا يتكلم إلا بالألفاظ الواردة التي لا يفهم معناها بل من فهم معاني النصوص فهو أحق بالسنة ممن لم يفهمها ومن دفع ما يقوله المبطلون مما يعارض تلك المعاني وبين أن معاني النصوص تستلزم نفي تلك الأمور المعارضة لها فهو أحق بالسنة من غيره وهذه نكت لها بسط له موضع آخر.