الوجه الثاني- أنه كثيرا ما يحتج بمثل هذه الحجة في كتبه، وهي من الأغاليط، ولا يميز بين دور التقدم والتأخر [ ص: 518 ] وبين دور التفاوت، وذلك أنه لأن العلة متقدمة للمعلول، فيلزم أن يكون كل منهما علة للآخر ومعلولا له، فيلزم تقدمه عليه وتأخره عنه، وذلك يستلزم تقدمه على نفسه بدرجتين، وتأخره عن نفسه بدرجتين، ويستلزم كونه علة لنفسه ومعلولا لنفسه؛ لأنه يكون علة علته ومعلول معلوله جميعا، ولا يمتنع أن يكون كل من الشيئين مقارنا للآخر. بحيث لا يوجد إلا معه كالأمور المتضايفة: مثل الأبوة والبنوة ونحو ذلك، وهذا دور [ ص: 519 ] الشروط، فيجوز أن يكون وجود كل من الأمرين شرطا في وجود الآخر بحيث لا يوجد إلا معه، فهذا جائز ليس بممتنع. فقوله: وجود الشيء إما أن يتوقف على وجود ما يشابهه. إن أراد بالتوقف توقف المعي، بحيث يكون كل منهما موجودا مع الآخر. فلم قال: إن هذا ممتنع؟ !. يمتنع أن يكون كل من الشيئين علة للآخر؛
قوله (لأن فيلزم من توقف جود هذا على وجود الثاني توقف وجود الثاني على وجود الأول ). التشابه يقتضي الاستواء في اللوازم،
يقال: غايته أنه توقف كل منهما على وجود الآخر، وهذا أول المسألة، وهو توقف الشيء على وجود ما يشبهه، فلم قلت: إن هذا محال إذا أريد بالتوقف وجوب وجوده معه، لا وجوب وجوده به؟ ! ومعلوم أن هذا لا يقتضي وقف الشيء على نفسه؛ وأن هذا ليس بمحال في بدائه العقول، بل المحال أن يكون وجود كل منهما بوجود الآخر. وفرق بين كون وجوده معه [ ص: 520 ] أو وجوده به. فهذه الحجة كما قال الإمام رحمه الله في هؤلاء: (يتمسكون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم ). أحمد