الوجه الخامس عشر: قولك: «الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته» يقال له: ليس الأمر كذلك; بل هم يستدلون على منازعيهم في إثبات الصفات لله وما يتبع ذلك، بما هو جنس هذه الحجج وأضعف منها، سواء سميت ذلك من حكم العقل، أو من حكم الوهم والخيال، فإن الاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ لا سيما وقد
nindex.php?page=treesubj&link=20363_29615جرت عادة هؤلاء المتكلمين، أنهم يسمون -بدعواهم- منازعيهم بالأسماء المذمومة، ويسمون أنفسهم بالأسماء المحمودة، وإن كانوا
[ ص: 437 ] مشتركين في جهة الحمد والذم، ويقول أحدهم: قال أهل الحق، وقال أهل التوحيد ونحو ذلك، حتى قد يدعون الإيمان أو ولاية الله تعالى لأنفسهم خاصة، كما يفعل ذلك
الرافضة والمعتزلة وطوائف من غلاة
الصوفية، وهؤلاء فيهم شبه من أهل الكتاب الذين قالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: 111] وقالوا: إن الدار الآخرة خالصة لهم عند الله يوم القيامة، والذين ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه، ويسمي أحدهم من أثبت لله صفة مشبها ومجسما، مع كونه قد أثبت نظيرها أو أبلغ منها، ويسمي النافي معطلا، ويكون قد نفى نظير ما نفاه ذلك.
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَوْلُكَ: «الَّذِينَ عَزَلُوا حُكْمَ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ» يُقَالُ لَهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ; بَلْ هُمْ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى مُنَازِعِيهِمْ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، بِمَا هُوَ جِنْسُ هَذِهِ الْحُجَجِ وَأَضْعَفُ مِنْهَا، سَوَاءٌ سَمَّيْتَ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ، أَوْ مِنْ حُكْمِ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=20363_29615جَرَتْ عَادَةُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ، أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ -بِدَعْوَاهُمْ- مُنَازِعِيهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْمَذْمُومَةِ، وَيُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْأَسْمَاءِ الْمَحْمُودَةِ، وَإِنْ كَانُوا
[ ص: 437 ] مُشْتَرِكِينَ فِي جِهَةِ الْحَمْدِ وَالذَّمِّ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَقَالَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، حَتَّى قَدْ يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ أَوْ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
الرَّافِضَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَطَوَائِفُ مِنْ غُلَاةِ
الصُّوفِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ شَبَهٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [الْبَقَرَةُ: 111] وَقَالُوا: إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ خَالِصَةٌ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَيُسَمِّي أَحَدُهُمْ مَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ صِفَةً مُشَبِّهًا وَمُجَسِّمًا، مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أَثْبَتَ نَظِيرَهَا أَوْ أَبْلَغَ مِنْهَا، وَيُسَمِّي النَّافِيَ مُعَطِّلًا، وَيَكُونُ قَدْ نَفَى نَظِيرَ مَا نَفَاهُ ذَلِكَ.