الوجه الرابع عشر:
nindex.php?page=treesubj&link=29641_29613_29614قوله: «أهل التوحيد والتنزيه الذين عزلوا حكم الوهم والخيال في ذات الله تعالى وصفاته» يقال له: قد تقدم الكلام على هذا اللفظ المجمل غير مرة.
ثم يقال له: لا ريب أن الله تعالى أنزل كتابه بيانا للناس وهدى وشفاء، وقال تعالى فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [النحل: 89] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [ ص: 432 ] [يوسف: 111] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [الإسراء: 9] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [طه: 123] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء [الأعراف: 3] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=115وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [التوبة: 115] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [الشورى: 52] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [الأعراف: 157] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=16يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام [المائدة: 15-16] وقالت الجن:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إنا سمعنا قرآنا عجبا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يهدي إلى الرشد فآمنا به [الجن: 1-2] وقص الله تعالى ذلك عنهم على سبيل التصديق لهم في ذلك، والثناء عليهم بهذا القول، وكذلك قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=30يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم [الأحقاف: 30] وأمثال هذا كثير.
وقد بين الله تعالى ما يتقى من القول فيه والظن، فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف: 33] وقال عن الشيطان:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [البقرة: 169] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق [النساء: 171]
[ ص: 433 ] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم [آل عمران: 66] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يجادلونك في الحق بعدما تبين [الأنفال: 6]
nindex.php?page=treesubj&link=29641فذم من يقول ما لا يعلم، ومن يقول غير الحق، ومن يجادل فيما لا يعلم، ومن يجادل في غير الحق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=663614«القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاض في الجنة: رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار» وقال تعالى في موضع آخر:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس [النجم: 23] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا [النجم: 28] وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=8ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير [الحج: 8].
[ ص: 434 ] ومن المعلوم أن العلم له طرق ومدارك وقوى باطنة وظاهرة في الإنسان، فإنه يحس الأشياء ويشهدها، ثم يتخيلها ويتوهمها ويضبطها بعقله، ويقيس ما غاب على ما شهد، والذي يناله الإنسان بهذه الأسباب قد يكون علما، وقد يكون ظنا لا يعلمه، وما يقوله ويعتقده ويحسه ويتخيله، قد يكون حقا وقد يكون باطلا. فالله سبحانه وتعالى لم يفرق بين إدراك وإدراك، ولا بين سبب وسبب، ولا بين القوى الباطنة والظاهرة، فجعل بعض ذلك مقبولا وبعضه مردودا، بل جعل المردود هو قول غير الحق والقول بلا علم مطلقا.
فلو كان بعض أجناس الإدراك وطرقه باطلا مطلقا في حق الله تعالى، أو كان حكمه غير مقبول، كان رد ذلك مطلقا واجبا، والمنع من قبوله مطلقا متعينا إن لم يعلم بجهة أخرى، كما قال في الخبر:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات: 6] وقال في الاعتبار والقياس الصحيح
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل [النحل: 90]
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وإذا قلتم فاعدلوا [الأنعام: 152]
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8كونوا قوامين لله شهداء بالقسط [المائدة: 8]
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25ليقوم الناس بالقسط [الحديد: 25] فلما كان من المخبرين من لا يقبل خبره إذا انفرد، أمر بالتثبت في خبره، ولما كان القياس والاعتبار يحصل فيه الظلم والبغي، بتسوية الشيء بما ليس مثله في الشرع والعقل، أمر بالعدل
[ ص: 435 ] والقسط،
nindex.php?page=treesubj&link=29641وقال تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم [آل عمران: 19] فبين تعالى أن سبب الاختلاف هو البغي الذي هو خلاف العدل، فالشبهة الفاسدة من هذا النمط، وهي من أسباب الاختلاف بعد بيان الكتاب والسنة للحق المعلوم، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=6ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق [سبأ: 6].
فلو كان في الإحساس الباطن والظاهر ما يرد حكمه مطلقا، حتى يوافقه إحساس آخر، لكان ذلك أيضا مردودا، وليبين ذلك كما بين نظيره، فإن الحاجة إلى ذلك في أصل الإيمان أعظم من الحاجة إلى ما هو دون ذلك بدرجات كثيرة، فلما كان المحرم هو اتباع الظن وما تهوى الأنفس، والقول في الدين بلا علم، أو قول غير الحق، نهى عن ذلك ولم يفرق بين إحساس ظاهر أو باطن، ولا بين حس وعقل، فلم يكن أحد ليفرق بين ما جمع الله تعالى بينه، ويجمع بين ما فرق الله تعالى بينه، بل يتبع كتاب الله تعالى على وجهه، والله أعلم.
والذي دل عليه الكتاب أن طرق الحس والخيال والعقل وغير ذلك متى لم يكن عالما بموجبها لم يكن له أن يقول على الله، وليس له أن يقول عليه إلا الحق، وليس له أن يقفو ما ليس له به علم لا في حق الله ولا في حق غيره، فأما تخصيص الإحساس الباطن بمنعه عن تصور الأمور الإلهية بحسه، فهو
[ ص: 436 ] خلاف ما دل عليه القرآن من تسوية هذا بسائر أنواع الإحساس في المنع، وأن القول بموجبها جميعها إذا كان باطلا حرم في حق الله تعالى وحق عباده، وإن كان حقا لم ينه عنه في شيء من ذلك.
يؤكد ذلك أن حكم الوهم والخيال غالب على الآدميين في الأمور الإلهية. بل وغيرها، فلو كان ذلك كله باطلا لكان نفي ذلك من أعظم الواجبات في الشريعة، ولكان أدنى الأحوال أن يقول الشارع من جنس ما يقوله بعض النفاة: ما تخيلته فالله بخلافه، لا سيما مع كثرة ما ذكره لهم من الصفات.
الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29641_29613_29614قَوْلُهُ: «أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ الَّذِينَ عَزَلُوا حُكْمَ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ» يُقَالُ لَهُ: قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الْمُجْمَلِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كِتَابَهُ بَيَانًا لِلنَّاسِ وَهَدًى وَشِفَاءً، وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النَّحْلُ: 89] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ [ ص: 432 ] [يُوسُفُ: 111] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الْإِسْرَاءُ: 9] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه: 123] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الْأَعْرَافُ: 3] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=115وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التَّوْبَةُ: 115] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مِنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشُّورَى: 52] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الْأَعْرَافُ: 157] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=16يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [الْمَائِدَةُ: 15-16] وَقَالَتِ الْجِنَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=2يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الْجِنُّ: 1-2] وَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّصْدِيقِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=30يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الْأَحْقَافُ: 30] وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُتَّقَى مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ وَالظَّنِّ، فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الْأَعْرَافُ: 33] وَقَالَ عَنِ الشَّيْطَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةُ: 169] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ [النِّسَاءُ: 171]
[ ص: 433 ] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آلُ عِمْرَانَ: 66] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ [الْأَنْفَالُ: 6]
nindex.php?page=treesubj&link=29641فَذَمَّ مَنْ يَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ، وَمَنْ يَقُولُ غَيْرَ الْحَقِّ، وَمَنْ يُجَادِلُ فِيمَا لَا يَعْلَمُ، وَمَنْ يُجَادِلُ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=663614«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلُ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ» وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النَّجْمُ: 23] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا [النَّجْمُ: 28] وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الْحَجُّ: 8].
[ ص: 434 ] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِلْمَ لَهُ طُرُقٌ وَمَدَارِكُ وَقُوًى بَاطِنَةٌ وَظَاهِرَةٌ فِي الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ يُحِسُّ الْأَشْيَاءَ وَيَشْهَدُهَا، ثُمَّ يَتَخَيَّلُهَا وَيَتَوَهَّمُهَا وَيَضْبُطُهَا بِعَقْلِهِ، وَيَقِيسُ مَا غَابَ عَلَى مَا شَهِدَ، وَالَّذِي يَنَالُهُ الْإِنْسَانُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ قَدْ يَكُونُ عِلْمًا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنًّا لَا يَعْلَمُهُ، وَمَا يَقُولُهُ وَيَعْتَقِدُهُ وَيُحِسُّهُ وَيَتَخَيَّلُهُ، قَدْ يَكُونُ حَقًّا وَقَدْ يَكُونُ بَاطِلًا. فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إِدْرَاكٍ وَإِدْرَاكٍ، وَلَا بَيْنَ سَبَبٍ وَسَبَبٍ، وَلَا بَيْنَ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، فَجَعَلَ بَعْضَ ذَلِكَ مَقْبُولًا وَبَعْضَهُ مَرْدُودًا، بَلْ جَعَلَ الْمَرْدُودَ هُوَ قَوْلُ غَيْرِ الْحَقِّ وَالْقَوْلُ بِلَا عِلْمٍ مُطْلَقًا.
فَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَاسِ الْإِدْرَاكِ وَطُرُقِهِ بَاطِلًا مُطْلَقًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كَانَ حُكْمُهُ غَيْرَ مَقْبُولٍ، كَانَ رَدُّ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَاجِبًا، وَالْمَنْعُ مِنْ قَبُولِهِ مُطْلَقًا مُتَعَيِّنًا إِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِجِهَةٍ أُخْرَى، كَمَا قَالَ فِي الْخَبَرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الْحُجُرَاتُ: 6] وَقَالَ فِي الِاعْتِبَارِ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [النَّحْلُ: 90]
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الْأَنْعَامُ: 152]
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ [الْمَائِدَةُ: 8]
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الْحَدِيدُ: 25] فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمُخْبِرِينَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إِذَا انْفَرَدَ، أَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ وَالِاعْتِبَارُ يَحْصُلُ فِيهِ الظُّلْمُ وَالْبَغْيُ، بِتَسْوِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، أَمَرَ بِالْعَدْلِ
[ ص: 435 ] وَالْقِسْطِ،
nindex.php?page=treesubj&link=29641وَقَالَ تَعَالَى: nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=19وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آلُ عِمْرَانَ: 19] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ سَبَبَ الِاخْتِلَافِ هُوَ الْبَغْيُ الَّذِي هُوَ خِلَافَ الْعَدْلِ، فَالشُّبْهَةُ الْفَاسِدَةُ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِلَافِ بَعْدَ بَيَانِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْحَقِّ الْمَعْلُومِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=6وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ [سَبَأٌ: 6].
فَلَوْ كَانَ فِي الْإِحْسَاسِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مَا يُرَدُّ حُكْمُهُ مُطْلَقًا، حَتَّى يُوَافِقَهُ إِحْسَاسٌ آخَرُ، لَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا مَرْدُودًا، وَلِيُبَيِّنَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ نَظِيرَهُ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ أَعْظَمُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَلَمَّا كَانَ الْمُحَرَّمُ هُوَ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَالْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ، أَوْ قَوْلَ غَيْرِ الْحَقِّ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إِحْسَاسٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ، وَلَا بَيْنَ حِسٍّ وَعَقْلٍ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ، وَيَجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ، بَلْ يَتَّبِعُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ أَنَّ طُرُقَ الْحِسِّ وَالْخَيَالِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمُوجِبِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْفُوَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لَا فِي حَقِّ اللَّهِ وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَأَمَّا تَخْصِيصُ الْإِحْسَاسِ الْبَاطِنِ بِمَنْعِهِ عَنْ تَصَوُّرِ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ بِحِسِّهِ، فَهُوَ
[ ص: 436 ] خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَسْوِيَةِ هَذَا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِحْسَاسِ فِي الْمَنْعِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِمُوجِبِهَا جَمِيعِهَا إِذَا كَانَ بَاطِلًا حُرِّمَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ عِبَادِهِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ غَالِبٌ عَلَى الْآدَمِيِّينَ فِي الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ. بَلْ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلًا لَكَانَ نَفْيُ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَكَانَ أَدْنَى الْأَحْوَالِ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ مِنْ جِنْسِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النُّفَاةِ: مَا تَخَيَّلْتَهُ فَاللَّهُ بِخِلَافِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ مَا ذَكَرَهُ لَهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ.