الوجه الثاني: فإن قول القائل: هذا من صفات الأجسام، وارد في كل اسم وصفة لله –تعالى- مثل كونه موجودا، وقائما بنفسه، وموصوفا، ومباينا لغيره، ومثل كونه حيا، عالما، قديرا، سميعا، وبصيرا، ورؤوفا، ورحيما، فإن هذا جميعه لا يعترف الناس أنه يسمى ويوصف به إلا الجسم، فإن كان مثل هذا موجبا لصرف الأسماء والصفات عن ظاهرها، وجب أن يصرف الجميع، ومن المعلوم أنه إذا صرف شيء منها، فلا بد أن يصرف إلى معنى آخر يعبر عنه بلفظ آخر، وذلك اللفظ الثاني يرد عليه مثل ما ورد على الأول، فإنه لا يعرف إطلاقه إلا على [ ص: 16 ] الجسم، وإذا كان كذلك علم أن جميع هذه التأويلات باطلة، لأنه يلزم من رفعها إثباتها، وما استلزم عدمه وجوده كان عدمه ممتنعا. أن يقال: تأويل هذه النصوص لكون ظاهرها التجسيم: لا يجوز،
وأيضا فمن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وكل دين أن هذا باطل، وأيضا فمن المعلوم بالضرورة العقلية أن هذا باطل، فإن كل من أقر بموجود لا بد أن يعلم منه معنى يعبر عنه بلفظ، وقد قدمنا أن الغالية من الملاحدة الذين لا يسمونه باسم لا بد [ ص: 17 ] أن يعثروا بما يلزمهم فيه أعظم مما فروا منه، فإن نفس الإقرار بالوجود الواجب يستلزم، وهذا لازم في نفس الوجود، وبهذا يظهر أن الحق هو ترك هذه التأويلات مطلقا، وأن الإقرار ببعضها دون بعض تحكم وتناقض.