الوجه الثالث: أن يقال: إذا كانت هذه الأمور جميعها لا يعرف أنه يسمى، ويوصف بها إلا الجسم، فأحد الأمرين لازم.
وإما أن يكون ثبوت ما يسمونه جسما هو الحق في نفس الأمر، وإن كان السلف والأئمة لم ينطقوا بلفظ الجسم، لكن نطقوا بالألفاظ التي هي صريحة في المعنى الذي يسميه هؤلاء جسما.
وإما أن يكون جميع هذه الأسماء والصفات -وإن كانت لا تقال إلا على جسم- فإنها تقال لله عز وجل وليس بجسم، وبهذا نجيب كل من أثبت شيئا من هذه الصفات لمن نفاها، فنقول: إذا اتفقنا على أنه حي، عليم، قدير، وليس [ ص: 18 ] بجسم، فكذلك يكون عالما بعلم، وقادرا بقدرة، ولا يكون جسما، وقد قدمنا أن لفظ الجسم لفظ مجمل، وأن كل واحد من إطلاق القول بإثباته أو نفيه عنه بدعة، لا يؤثر عن أحد من السلف والأئمة، ولا لذلك أصل في الكتاب، وأن الواجب أحد أمرين: إما ترك إطلاق هذا الاسم نفيا وإثباتا، وإما التفصيل، وهو: أن يقال: إن أريد بالجسم كذا وكذا فهذا المعنى حق، وإن كنا لا نسميه بهذا الاسم لما فيه من الإجمال، والاشتراك والإبهام، والإيهام، والبدعة.
وإن أريد بالجسم كذا وكذا فهذا المعنى باطل، ولا يحتاج أن ينفى مثل هذا اللفظ المجمل، بل ينفى بالألفاظ الناصة كما دل على ذلك الكتاب والسنة.