وإذا كان كذلك وقد حصل عندهم معرفة معناه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم فحكم التابعين مع الصحابة كذلك؛ فإن الهمم والدواعي من علماء التابعين متوفرة على مسألة الصحابة عن معنى هذا الاسم، هذا معلوم بالعادة المطردة، فإذا كان قد تواتر عن أئمة التابعين مع ما نقل عن الصحابة وعن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اشتهر عندنا نقل ذلك بالإسناد عمن نقله العلماء عنه؛ لأن العلم كان يقل في المتأخرين، وكان أحدهم يسأل من يتفق له من التابعين، فصاروا ينقلون ذلك نقلا خاصا، كما ورد مثل ذلك فيما كان معلوما عند الصحابة كلهم كمغازي النبي صلى الله عليه وسلم وصفة صلاته الظاهرة وحجه ونحو ذلك، حتى تنازع بعض الناس في مثل جهره بالبسملة وقنوته.
ومن المعلوم أن هذا كان يمتنع فيه النزاع على عهد أبي بكر لأن الصحابة الذين عاينوا ذلك كانوا موجودين؛ ولهذا يستدل بفعل وعمر؛ أبي بكر على أن ذلك هو -كان- فعل النبي صلى الله عليه وسلم للعلم بأن الصحابة لم يتفقوا على تغيير سنته. وعمر
الوجه الرابع: أن مع كونه هو أشهر التفاسير في هذا الاسم الحسن العظيم عن [ ص: 547 ] الصحابة والتابعين، وقد روي تفسيره مرفوعا، وإن كان لا منافاة بين هذا المعنى وبين سائر المعاني التي ذكرها الصحابة والتابعون في معنى هذا الاسم - فإن الاسم ينتظم ذلك كله، فاللفظ يدل عليه دلالة ظاهرة باللغة العربية الفصيحة التي نزل بها القرآن، ومن المشهور من كلامهم المقابلة بين الأجوف والصمد، كما يقابلون بين الأجوف والمصمت، مثل قول يحيى بن أبي كثير: «الآدميون جوف والملائكة صمد» ولا يحتاج إلى تقرير هذا في اللغة أن تجعل الدال منقلبة عن التاء، وإن كان المعنى على القلب مناسبا، بل الدال والتاء حرفان متقاربان في المخرج، فيتقارب معناهما كذلك، وهذا من باب الاشتقاق الكبير، وهو اشتراك الكلمتين في أكثر الحروف وتقاربهما في باقيه [ ص: 548 ] كما يقال في مثل: خرر وغرر وأزر؛ حيث اشتركت في حروف الحلق، وكذلك الدال والتاء من حروف اللسان متقاربان في المخرج؛ ولهذا يدغم أحدهما في الآخر بعد قلبه إليه إذا سكن أحدهما، كما في مثل قوله: تفسير الصمد «بأنه الذي لا جوف له» ولا أنا عابد ما عبدتم فإن لفظهما «عبتم» وكذلك لفظ عبدته ووجدته ومجدته، ونظائره كثيرة، وهذا اللفظ في جميع تصاريفه يقتضي معنى الجمع والضم المنافي للتفرق، كما يقال: صمدة المال وصماد القارورة، ودلالة اللغة العربية على هذا المعنى المشهور عن أكثر الصحابة والتابعين أظهر من دلالتها على غيره، بخلاف ما إذا ادعى غير ذلك طائفة من المتأخرين ،حتى الذين فسروه بأنه السيد ذكروا هذا المعنى.