[ ص: 388 ] وأيضا فقوله: معناه: وجدت أثر تلك العناية، يقال له: أثر تلك العناية كان حاصلا على ظهره وفي فؤاده وصدره، فتخصيص أثر العناية بالصدر لا يجوز؛ إذ عنده لم يوضع بين الكتفين شيء قط، وإنما المعنى أنه صرف الرب عنايته إليه، فكان يجب أن يبين أن أثر تلك العناية متعلق بما يعم أو بأشرف الأعضاء، وما بين الثديين كذلك. «وجدت برد أنامله»
بخلاف ما إذا أقر الحديث على وجهه، فإنه إذا وضعت الكف على ظهره نفذ بردها إلى الناحية الأخرى وهو الصدر، ومثل هذا يعلمه الناس بالإحساس، وأيضا فقول القائل: «وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي» نص لا يحتمل التأويل والتعبير بمثل هذا اللفظ عن مجرد الاعتناء أمر يعلم بطلانه بالضرورة من اللغة، وهو من غث كلام القرامطة والسوفسطائية.
[ ص: 389 ] وقوله: والذي يدل على أن المراد منه كمال المعارف قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: وما ذلك إلا لأن الله تعالى أنار قلبه، وشرح صدره بالمعارف. «فعلمت ما بين المشرق والمغرب»
يقال له: الحديث يدل على أن هذه المعرفة كانت من آثار الوضع المذكور، وهذا حق، لكن لا يدل على أن الوضع ليس له معنى إلا مجرد هذا التعريف، وهذا ظاهر معروف بالضرورة أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أشياء حيث قال: وفي رواية: «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها» فذكر وضع يده بين كتفيه، وذكر غاية ذلك أنه وجد برد أنامله بين ثدييه، وهذا معنى ثان، وهو وجود هذا البرد عن شيء مخصوص في محل مخصوص، وعقب ذلك [ ص: 390 ] بأثر الوضع الموجود، وكل هذا يبين أن أحد هذه المعاني ليس هو الآخر. «برد أنامله على صدري فعلمت ما بين المشرق والمغرب»