وأما قوله: «وقد روي بين كنفي» فعليه وجوه:
أحدها: أن هذا تصحيف وهو كذب محض إما عمدا [ ص: 383 ] وإما خطأ، فإن أهل العلم بالحديث متفقون على رواية بالتاء، «بين كتفي» وللجهمية من هذا الجنس أمثال يحرفون فيها ألفاظ النصوص تارة ومعانيها أخرى، كقول بعضهم (وكلم الله موسى) وكرواية بعضهم (ينزل ربنا) وأمثال ذلك.
الثاني: قوله: «والمراد ما يقال: «وأنا في كنف فلان وفي ظل إنعامه» فيقال له: فالرسول هو في إنعام الله أم الله في إنعامه، وليس الحديث أنه قال: «فجعلني في كنفه» بل قال: «هو وضع يده بين كتفي» فيكون المعنى على تفسيرك: وضع يده من نعمي، أو في ظل إنعامي، ومعلوم أن هذا قلب للحقيقة، فإن العبد في نعمة ربه ليس الرب في نعمة عبده.
الثالث: أنه قد فسر اليد بالنعمة فإذا جعل [ ص: 384 ] كنفي العبد إنعامه فإن المعنى: أنه وضع نعمة الله في إنعام العبد، وهذا من أظهر الباطل.
الرابع: إن الكنف يقال مفردا، وهذا ليس بمفرد، وإذا روي بالتثنية (كنفي) كان خلاف اللغة، فإن الكنف يفرد ولا يثنى في مثل ذلك.
وإن روي (كنفي) مفردا يقال به: فلفظ (بين) لا يضاف إلا إلى ما فيه معنى العدد، وهو لم يقل: «بين كنفي» بل قال: «بين كتفي».
الخامس: أنه قال: «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري أو بين ثديي» وهذا صريح في المقصود، فقول القائل: «في كنفي حتى وجدت برد أنامله في صدري» من أظهر التناقض.
السادس: أنه يقال: فلان في كنف فلان، لكن لا يقال: هو بين كنفه أو كنفيه.