قال بعض السلف أظنه في قوله تعالى: [مجاهدا] وإذا بطشتم بطشتم جبارين [الشعراء: 130]، قال: هو السوط، والسيف، والعصا، في غير طاعة الله، فمن كان يضرب [ ص: 608 ] ويقتل لغير طاعة الله ورسوله فإنما هو جبار من الجبارين، فإن لم يتب وإلا جاءه بأس الله، الذي لا يرد عن القوم المجرمين، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وهذا يقتضي أن فكيف يستجيز مسلم أن يقول في مثل هذا أنه خليفة عن الله، ونائب عنه، فرعون، والنمرود، ونحوهما كانوا خلفاء عن الله نوابا عنه.
ثم إن هؤلاء يجعلون هذا المعنى ثابتا لكل إنسان أنه خليفة عن الله، لأنه من الجنس المسلطين على غيرهم من أجناس الحيوان، وعلى أنواع من التدبير، ولا يفرقون بين من أطاع الله ومن عصاه، بل يجعلون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، ويجعلون المتقين كالفجار، وهذا كله [ ص: 609 ] من الإشراك، والجمع لما فرق الله بينه، ولهذا الاتحادية كل شرك في العالم. شرع
ونظير هذا الإشراك الذي يجعل فيه العباد خلفاء عن الله [ونوابا] عنه تشبيها لذلك بالخلافة والنيابة عن الملوك: ما يوجد في كثير من الناس المشركين، من تشبيههم لمسألة الله ودعائه وعبادته بمسألة الملوك. فيقول الناس [لأ]حدهم: إذا أردت أن تأتي السلطان وتسأله، فابدأ بالوسائط التي بينك وبينه، كالحجاب والنواب والأعوان، فإن قصدك السلطان من الباب قلة معروفه [وقلة] تعظيم [و]إكرام، وذلك لا يصلح لك، فيأمرونه بالتواضع، والإشراك، [بالمخلوقين] وهذا من الأسباب الذي به عبدت الكواكب، والملائكة والأنبياء والصالحون، وقبورهم. وهذا كله [ ص: 610 ] من أعظم الشرك والضلال، والقياس الفاسد، فإن الله بكل شيء عليم، وهو سميع بصير بكل شيء، ليس بمنزلة الملك الذي لا يعلم إلا ما أنهي إليه، ولا يسمع ولا يبصر أكثر أمور رعيته.