الوجه الثالث عشر: أنه قد روي من غير وجه: "على صورة الرحمن".
[ ص: 432 ] فصل
وأما آدم، كما ذكر ذلك قول من قال: الضمير عائد إلى عن بعض محدثي للإمام أحمد البصرة، ويذكر ذلك عن أبي ثور فهو كما قال هذا تأويل الإمام [أحمد]: الجهمية، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟!".
وقد زعم المؤسس أنه أولى الوجوه الثلاثة. وليس كما ذكره، بل هو أفسد الوجوه الثلاثة، ولهذا لم يعدل إليه إلا عند الضرورة، لرواية من روى: ابن خزيمة ولقوله ابتداء: "على صورة [ ص: 434 ] الرحمن" آدم على صورته". فأما حيث ظن أن التأويل الأول ممكن فلم يقل هذا. وبيان فساده من وجوه: "إن الله خلق
أحدها: أنه إذا قيل: إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورة آدم، أو لا تقبحوا الوجه، ولا يقل أحدكم قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورة آدم (كان [هذا] من أفسد الكلام، فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلا، فإن كون آدم مخلوقا على صورة آدم) فأي تفسير فسر ليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنيه، ولا عن تقبيحها، وتقبيح ما يشبهها.
وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرق الحديث، فروي قوله مفردا، وروي قوله: [ ص: 435 ] "إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه" آدم على صورته" مفردا. "الله خلق
أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمتنع فيه، وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان [فيه] تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا يناسب هذا الحكم.
الوجه الثاني: أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم (بأي وجه فسر ذلك فلا فرق بين الوجه وسائر الأعضاء في هذا الحكم، فلو كان خلق آدم على صورة آدم) مانعا من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعا من ضرب سائر [الأعضاء] وتقبيح سائر الصور، وهذا معلوم الفساد في العقل والدين، وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام، وإضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا صدر إلا عن جهل عظيم، أو نفاق شديد، إذ لا خلاف في علمه وحكمته، وحسن كلامه، وبيانه. كما يذكر أن بعض الزنادقة سمع قارئا يقرأ: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف [النحل: 112] فقال وهل يذاق [ ص: 436 ] اللباس؟! فقالت له امرأة: هبك تشك في بداية العقول؟! أو يعلل حكم المحل بعلة لا تعلق لها به، فإن هذا مثل أن يقال: لا تضربوا وجوه بني آدم، فإن أباهم له صفات يختص هو بها دونهم، مثل كونه خلق من غير أبوين، أو يقال: لا تضربوا وجوه بني آدم، فإن أباهم خلق من غير أبوين.