الطريق الأول: أن يكون هذا الضمير عائدا إلى غير [آدم وإلى غير] الله تعالى وعلى هذا التقدير ففي تأويل الخبر وجهان:
الأول: هو أن من قال للإنسان: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فهذا يكون شتما لآدم عليه السلام؛ فإنه لما كان صورة الإنسان مساوية لصورة آدم كان قوله: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، شتما لآدم عليه السلام ولجميع الأنبياء عليهم السلام، وذلك غير جائز، فلا جرم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وإنما خص آدم بالذكر لأنه عليه السلام هو الذي ابتدئت خلقته على هذه الصورة.
الثاني: أن المراد منه إبطال قول من يقول: إن آدم كان على صورة أخرى، مثل ما يقال: إنه كان عظيم الجثة، طويل القامة، بحيث يكون رأسه قريبا من السماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى [ ص: 359 ] إنسان معين وقال: آدم على صورته". أي: كان شكل "إن الله تعالى خلق آدم مثل شكل هذا الإنسان من غير تفاوت ألبتة. فأبطل بهذا البيان وهم من توهم أن آدم عليه السلام كان على صورة أخرى، غير هذه الصورة.
الطريق الثاني: أن يكون الضمير عائدا إلى آدم عليه السلام، وهذا أولى الوجوه الثلاثة؛ لأن عود الضمير إلى أقرب مذكور واجب، وفي هذا الحديث أقرب الأشياء المذكورة هو آدم عليه السلام، فكان عود الضمير إليه أولى، ثم على هذا الطريق ففي تأويل الخبر وجوه:
الأول: أنه تعالى لما عظم أمر آدم فجعله مسجود الملائكة، ثم إنه [أتى] بتلك الزلة فالله تعالى لم يعاقبه [ ص: 360 ] بمثل ما عاقب به غيره، فإنه نقل أن الله تعالى أخرجه من الجنة، وأخرج معه الحية، والطاووس، وغير تعالى خلقهما، مع أنه لم يغير خلقة آدم عليه السلام، بل تركه على الخلقة الأولى إكراما له وصونا له عن عذاب المسخ، فقوله صلى الله عليه وسلم: معناه: خلق "إن الله خلق آدم على صورته" آدم على هذه الصورة التي هي الآن باقية من غير وقوع التبديل فيها.
والفرق بين هذا الجواب وبين الذي قبله، أن المقصود من هذا بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا عن المسخ، والجواب الأول ليس فيه إلا بيان أن هذه [الصورة] الموجودة ليس هي إلا التي كانت موجودة قبل، من غير تعرض لبيان أنه [ ص: 361 ] جعله مصونا عن المسخ بسبب زلته مع أن غيره صار ممسوخا.
الثاني: إن المراد منه الدهرية الذين يقولون: إن الإنسان لا يتولد إلا بواسطة النطفة ودم الطمث، فقال صلى الله عليه وسلم: إبطال قول ابتداء من غير تقدم نطفة وعلقة ومضغة. "إن الله خلق آدم على صورته"
الثالث: أن الإنسان لا يكون إلا في مدة طويلة، وزمان مديد، وبواسطة الأفلاك والعناصر، فقال صلى الله عليه وسلم: أي من غير هذه الوسائط، والمقصود منه الرد على "إن الله خلق [ ص: 362 ] آدم على صورته" الفلاسفة.
الرابع: المقصود منه بيان أن هذه الصورة الإنسانية إنما حصلت بتخليق الله تعالى وإيجاده لا بتخليق القوة المصورة و [المولدة] على ما يذكره الأطباء والفلاسفة. ولهذا قال الله تعالى: هو الله الخالق البارئ المصور [الحشر: 24] فهو الخالق، أي: هو العالم بأحوال الممكنات والمحدثات، والبارئ هو المحدث للأجسام والذوات بعد عدمها، والمصور أي: هو الذي ركب تلك الذوات على صورها المخصوصة، وتركيباتها المخصوصة.
الخامس: قد تذكر الصورة ويراد بها الصفة؛ يقال: شرحت له صورة هذه الواقعة، وذكرت له صورة هذه المسألة، والمراد من الصورة في كل هذه المواضع الصفة، (فقوله: "إن الله خلق آدم على صورته" أي: على جملة صفاته وأحواله، وذلك لأن الإنسان حين يحدث يكون في غاية الجهل والعجز، ثم لا يزال [ ص: 363 ] يزداد علمه وقدرته) إلى أن يصل إلى حد الكمال، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم خلق من أول الأمر كاملا تاما في علمه وقدرته، وقوله: معناه أنه خلقه في أول الأمر على صفته التي كانت حاصلة له في آخر الأمر. "خلق [الله] آدم على صورته"
وأيضا فلا يبعد أن يدخل في لفظ الصورة كونه سعيدا أو شقيا، كما قال صلى الله عليه وسلم: فقوله صلى الله عليه وسلم: [ ص: 364 ] "السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه". أي: على جميع صفاته من كونه سعيدا، أو عارفا، [أو تائبا، أو مقبولا] من عند الله تعالى. "إن الله خلق آدم على صورته"