الوجه الخامس: وأيضا فما ذكره من تقدير رؤوسنا والنور من الجهة السافلة تقدير خلاف الواقع، وإذا كان تقديرا لا حقيقة له، كان الحكم اللازم له حكما لا حقيقة له؛ كما لو قال قائل: لو كان العرش في جوف الأرض ولو كانت الأرض فوق السماء، ونحو ذلك، ولا ريب أنه لو اختلفت صفات الأجسام ومقاديرها وحقائقها لاختلفت أحكامها، لكن بكل حال يجب أن يكون الله مباينا للعالم وأن يكون هو العلي الأعلى، وذلك يمنع أن يكون في الجهة السفلى الضيقة، سواء على أي وجه قدر، وهو المطلوب. قوله: ولأنا لو تصورنا أنفسنا إذا ضممنا رؤوسنا إلى جهة الأرض وكانت الأنوار في هذه الجهة، وجهة فوق مظلمة لتصورنا أن الأرض هي الشريفة فمضمونه أن جهة السماء إنما كانت أشرف لمحاذاة رؤوسنا وظهور الأنوار من جهتها، وهذا باطل على ما ذكره؛ فإن جهة السماء هي بنفسها الجهة العليا الواسعة، سواء كنا موجودين أو معدومين، وجهة الأرض هي جهة السفلى الضيقة، والرب يمتنع أن يكون فيها؛ لأن أسفل الأرض ضيق سافل، وذلك يستلزم أن يحيط بالله أقل [ ص: 322 ] شيء وأسفله وأضيقه، وأيضا فإنه يجب مباينته للعالم، وذلك يستلزم كونه فوق العالم.