الوجه الثالث: أن القول الذي خالفكم فيه هؤلاء قد تقدم قول المحتج فيه أنه معلوم بالاضطرار والبديهة، والقول الذي وافقكم عليه من نفي الحد [ ص: 297 ] والقدر، وملازم ذلك لم يذكر أحد أنه معلوم بالضرورة أو البديهة، أكثر ما يقال أنه ثابت بالقياس العقلي، وأنت قد ذكرت أن المعلوم بالضرورة ثبوت ذلك بتقدير ثبوت الأول، وإذا كان كذلك لم يصح أن تقدح في قولهم الذي يقولون إنه معلوم بالضرورة بقولهم الذي يقولون إنه معلوم بالنظر؛ لأن القدح في الضرورة بالنظر باطل كما تقدم، بل إذا كان ما ألزمتهم لازما ضروريا، وقد ادعوا أن الملزوم ضروري، كان كلاهما ضروريا فلا يقدح فيه بالنظري بحال، إذ الضروري أصل النظري، فالقدح في الضروري بالنظري يستلزم القدح فيهما. فإن البديهة تنكر وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، كما تنكر وجود موجود لا قائم بنفسه ولا بغيره، ولا مع العالم ولا قبله، ولا قديم ولا محدث،