وهؤلاء الذين يقولون بقدم العالم عن موجبه أشهرهم هم الفلاسفة المشاءون أتباع أرسطو، وهم مبدلة دين الصابئة الصحيح، وأظهر حججهم التي اعتمدوا عليها - وهو الذي اعتمده أفضل متأخريهم ابن سيناء ونحوه من الملاحدة - وهو [ ص: 226 ] طلب سبب التخصيص - وهو أنهم والقول في ذلك الحادث المتجدد، كالقول في جملة العالم، وإذا صدر الفعل عنها لم يكن صادرا بعد أن لم يكن؛ لئلا يلزم المحال المذكور. قالوا: العقل الصريح الذي لا يكذب قط يعلم أن الذات إذا كانت واحدة من جميع جهاتها ولم تفعل، ثم فعلت فعلا فلابد من تجديد شيء لها: إما قدرة، أو علما، أو إرادة، أو غير ذلك، مما هو من الشروط وزوال [ ص: 227 ] الموانع. وإلا فإذا كانت كما لم تزل امتنع صدور الفعل عنها؛ لأن تخصيص بعض الأوقات بالفعل لابد له من مخصص،
وبالجملة: فإما أن تكون هي علة تامة للفعل أو لا تكون، فإن كانت علة تامة وجبت مقارنة الفعل لها، وإن لم تكن علة تامة فلابد من تجدد أمر يصير به علة تامة، والقول في ذلك المتجدد كالقول في العالم إن كانت علته تامة وجبت مقارنته، وإن لم تكن علة تامة فلابد من تجدد أمر، ويلزم التسلسل / ومدار هذه الحجة على وجوب مقارنة الأثر للمؤثر التام، وأنه يمتنع أن يفعل بعد أن لم يكن فاعلا. وهذه الحجة يقولون بها، وقد أجاب الناس عنها بالممانعات تارة وبالمعارضات أخرى، تارة يمنعونهم وجوب مقارنة الأثر [ ص: 228 ] للمؤثر إذا كان فاعلا باختياره وقدرته، ويقولون القادر المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك، وتارة يذكرون من أسباب الترجيح أمورا، وتارة يبدون ما في الوجود من المخصصات للصفات والمقادير وغير ذلك مما لا يحصي تفاصيله إلا الله.