"لو كان تقدم الباري على العالم بالزمان لزم أن يكون الباري تعالى زمانيا، والزمان زمانيا وهما محالان؛ أما الأول فلأن الزمان من لواحق التغير، وذلك ممتنع على الباري سبحانه وتعالى. وأما الثاني فلامتناع التسلسل".
يجاب عن ذلك بأربعة أوجه:
أحدها: أن الزمان الذي قد بيناه لا يجب أن يكون وجوديا، فلا يمتنع حينئذ أن يكون الباري زمانيا؛ إذ لم يكن الزمان موجودا، ولا يمتنع أن يكون الزمان زمانيا.
الثاني: أنه لو فرض أن ذلك موجود، فالموجود هنا هو الله [ ص: 223 ] سبحانه وتعالى وهو متقدم على العالم بتقدم هو من صفات نفسه، وإذا قيل هو زماني وكان المراد بالزمان هنا شيئا من صفاته، لم يكن ذلك محالا، وليس النزاع في مجرد لفظ، فإنا نعقل ونتصور تصورا بديهيا وجود شيء قبل شيء من غير أن يكون هناك موجود غيرهما، فهذا التقدم -سواء سموه زمانيا أو لم يسموه فهو معقول.
الوجه الثالث: أن يقال: هب أن الزمان من لواحق الحركة؛ لكن هذه مسألة حلول الحوادث وقد ذكر الرازي أنه ليس في الأدلة العقلية ما يحيلها، وأن القول بها يلزم كل الطوائف فيجوز عند من يجوزها أن يكون ذلك الزمان من لواحق حركته هو سبحانه وتعالى.
الوجه الرابع: أن يقال: لا يحتاج أن يجعل تقدم الباري على العالم بزمان موجود، فلا يرد علينا هذا السؤال، وأما كون الزمان زمانيا فهذا وارد عليهم، كما هو وارد على مخالفيهم، وليس هو من خصائص حدوث العالم، بل هو حجة عليهم في إثبات تقدم وتأخر بغير زمان موجود، ثم يقال: التسلسل يقطع أن يكون الزمان الثاني عدما، وبأن يكون من توابع وجود الحق كما تقدم.