ومن وافقهم من المتكلمين على أنه ليس فوق العالم؛ بل [ ص: 212 ] أوجب محايثته للعالم ومقارنته له، فإنه أيضا جعله مفتقرا إلى العالم، والاتحادية تصرح بهذا كله، ومن هذا حدثني بعض الفضلاء الضابطين عن الشيخ القاضي تقي الدين محمد القشيري، عرف بابن دقيق العيد رحمه الله أنه قال: لما دخل علينا الشيخ عز الدين ابن عبد السلام قدس الله روحه إلى مصر سألناه عن فقال: "شيخ سوء، مقبوح كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا" وبين ما ذكره عنه من هذه الصفات، فقلت لمن حدثني: لم يكن بعد قد فهمت حقيقة قوله، وأين هذا من القائلين بقدم العالم؟ أولئك يثبتون عالما وواجبا غيره صدر عنه، وإن كان قولهم باطلا من جهة أخرى، [ ص: 213 ] وهذا عنده نفس العالم صورته وهويته وليس له وجود غير وجود العالم؛ ولكن هو كما يذكر عن ابن عربي ابن سبعين -أحد أئمة الاتحادية ومحققيهم وأذكيائهم- أنه قال عن كلام "فلسفة مخموجة" وكلامه هو أدخل في الفلسفة وأبعد عن الإسلام. ابن عربي:
ولا ريب أن هؤلاء من جنس الملاحدة الباطنية القرامطة، وهو وهؤلاء الفلاسفة مشتركون في الضلال، ومذاهب هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات من أشد المذاهب اضطرابا وتناقضا وقولا لا حقيقة له، فلما كان مذهبهم المقارنة التي هي في الحقيقة تعطيل الصنع والخلق والإبداع، وإن كانوا يدعون أنهم يثبتون واجبا غير العالم، فهذا دعواهم، وإلا ففي الحقيقة يلزمهم ألا يكون ثم واجب الوجود غير العالم، وهذا حقيقة قول الاتحادية، وهو الذي أظهره إمام هؤلاء فرعون؛ فإن الاتحادية تنتحله وتعظمه، والباطنية تنتحله وتعظمه، وهو على مقتضى أصول الفلاسفة الصابئة المشركين الذين هم من أعظم الناس إيمانا بالجبت والطاغوت.