الوجه التاسع عشر: أن سواء كان ذلك في الجمل الخبرية أو الجمل الطلبية، وسواء في ذلك إشارة بلفظ هذا أو نحوه من ألفاظ الإشارة وألفاظ الدعاء والنداء، وذلك أن المتكلم إذا قال: فعل هذا الرجل، أو هذا الرجل ينطلق، أو أكرم هذا الرجل ونحو ذلك، فإن العبارة وهي لفظ " هذا " يطابق ما يشير إليه المتكلم، ولهذا سمى النحاة هذه أسماء الإشارة وهذه الألفاظ بنفسها لا تعين المراد إلا بإشارة المتكلم إلى المراد بها، ولهذا من سمع هذا وذاك وهؤلاء وأولئك لم يعرف إلى أي شيء أشار المتكلم لم يفهم المراد بذلك، فالدلالة على العين هي بمجموع [ ص: 553 ] اللفظ وبالإشارة، إذ هذه الألفاظ ليست موضوعة لشيء بعينه، وإنما هي موضوعة لجنس ما يشار إليه، وأما تعيين المشار إليه فيكون بالإشارة مع اللفظ، كما أن أداة " أل " التعريف موضوعة لما هو معروف من الأسماء، أما كون الشيء معروفا، فذاك يجب أن يكون معروفا بغير اللام إما بعلم متقدم أو ذكر متقدم. الإشارة مع العبارة هي لمن ذكر في العبارة
وكذلك المعرف بالنداء فإن النداء والدعاء من أسباب التعريف، فالمنادى المعرفة يكون مضموما وإن كان نكرة كان منصوبا، فإذا نادى المنادي رجلا مطلقا قال: يا رجلا، كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي، ومن نادى رجلا بعينه قال: يا رجل كقول موسى عليه السلام: " ثوبي حجر ثوبي حجر" وهذا المنادى المعين يشير إليه الداعي المنادي فيقصده بعينه بخلاف المطلق الذي يدل عليه لفظ النكرة، وكقوله: رجلا خذ بيدي، فإنه هنا لم يشر إلى شيء بعينه، فهذا التعريف بالنداء إنما هو يتعين في الباطن بقصد الداعي، وفي الظاهر بإشارته، [ ص: 554 ] والمنادى الداعي ونحوه من ذوي الطلب والاستدعاء أو المخبر المحدث قد يشير إشارة ظاهرة إلى المنادى وغيره من المقصودين، إما لتعريف المخاطبين إذا لم يعرفوا المعين إلا بذلك مثل من ينادي رجلا بعينه في رجال، فيقول: يا رجل أو يا هذا أو يا زيد، ويكون هناك جماعة اسمهم زيد، ولا بد أن يشير إليه إما بتوجيه وجهه نحوه أو بعينه أو برأسه أو يده أو غير ذلك، وتارة يشير توكيدا وتحقيقا لخطابه إذا كان متميزا بالاسم ولا يجوز أن يدعو أحدا، وتكون الإشارة إلى غير من دعا، فلا يجوز أن يقول: يا زيد! ويشير إلى غير من قصده، أو يا هذا ويشير إلى غير من قصده.