الوجه الثامن: وأن الهواء الذي هو مادة النفس منها، وأن النظر إليها مضمونه أن ما يحتاج إليه الآدميون من الرزق الذي هو الماء والهواء، ومن النور يأتي من الجهة العالية فكانت أشرف". قوله: " إن الرفع إلى فوق لأن الجهة العالية أشرف من السافلة بظهور الأنوار منها،
فيقال له: أولا لا ريب أن حاجتهم إلى الأرض وما فيها أكثر، فإن عليها قرارهم، ومنها تخرج أرزاقهم التي هي النبات، وفيها الحيوان، وهي كما قال الله تعالى: فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون [الأعراف: 25] ولهذا كان نظر أبصارهم إلى الأرض وما فيها أكثر من نظرهم إلى السماء وما [ ص: 523 ] فيها، فعلم أن النظر الذي يكون لأجل الحاجة إلى المنظور إليه لتعلق القلب به هو إلى الأرض أكثر منه إلى السماء.
ويقال له: ثانيا: الاحتجاج إنما هو برفع أيديهم وأبصارهم حين الدعاء لله وحده لا شريك له، فأما دعوى غير الله فإنما يرفعون أيديهم إن رفعوها إلى جهة ذلك المدعو، وأما في غير قصد الله ودعائه وذكره فإنهم يلتزمون الإشارة إلى السماء، بل إنما يشير أحدهم إن أشار إلى شيء معين مثل الشمس والقمر وغير ذلك، وإذا كان الأمر كذلك كان ما ذكره من الإشارة إلى الجهة لشرفها من أبطل الباطل، فإن ذلك إنما يتوجه لو كان المذكور هو إشارتهم إلى فوق مطلقا، وهذا خلاف الواقع، بل إنما يشيرون الإشارة المذكورة إذا دعوا الله مخلصين له الدين، وأين هذا من هذا؟.
ويقال له: ثالثا: قد تقدم أنهم يعلمون ويخبرون أنهم إنما يشيرون إلى الله إلى محض الجهة.