والمسلك الثالث: أن لا يقولوا: صفاته أعراض، ولا يقولوا ليست أعراضا، كما لا يقولون إنه جسم، ولا أنه ليس بجسم، لأن ذلك كله بدعة مذموم عند سلف الأمة وأئمتها، ولأن النزاع في ذلك إن كان في معنى وجب إثبات المعنى الحق دون المعنى الباطل، فيسأل النفاة المثبتة ما أرادوا بذلك؟ فإن أثبتوا حقا وباطلا أقر الحق دون الباطل، وكذلك النفاة إن نفوا حقا [ ص: 389 ] وباطلا نفى الباطل دون الحق، ومن أثبت حقا أو نفى باطلا أقر، ومن أثبت باطلا أو نفى حقا منع. وإن كان النزاع في اللفظ فما يوصف به الباري نفيا وإثباتا من الأسماء والصفات فالمتبع فيه الشريعة لا من الإثبات ولا من النفي. والله سبحانه وتعالى قد أخبر أنه أحد صمد ونزه نفسه عن الوالد والولد والشريك والكفو والسمي والحاجة والنوم والموت، وغير ذلك مما دل عليه القرآن. فلا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله
ولم يذكر هو ولا رسوله ولا أهل العلم والإيمان به: أنه ليس بجسم ولا جوهر، ولا متحيز، ولا في جهة، ولا أن صفاته ليست بعرض ولا قائمة بالغير ولا نحو ذلك، وكذلك وليس في تلك الأسماء أنه جسم ولا جوهر ونحو ذلك، ولا أن صفاته تسمى أعراضا ونحو ذلك، فلم يكن واحد من هذين مشروعا على الإطلاق ولا هو أيضا منهيا عنه على الإطلاق، بل إذا أثبت الرجل معنى حقا ونفى معنى باطلا، واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب، لأنها من لغة المخاطب، ونحو ذلك لم يكن ذلك منهيا عنه؛ لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى، ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه، وهذا جائز بل مستحب أحيانا، بل واجب أحيانا، وإن لم يكن ذلك مشروعا على الإطلاق كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين [ ص: 390 ] باصطلاحهم الخاص إذا كانت المعاني التي تبين لهم هي معاني القرآن والسنة تشبه قراءة القرآن بغير العربية، وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب بلا نزاع بين العلماء. في الإثبات له الأسماء الحسنى التي يدعى بها،