أحدها: أن يقال: هذا [ ص: 164 ] لا يقوله المنازع، ولا يحتاج أن يقوله بل عندهم أن ذات رب العالمين فوق العالم، وأنه سبحانه وتعالى العلي الأعلى المتعال بذاته لا يحتاج علوه إلى شيء غيره أصلا، ولا يكون علوه بشيء منفصل عنه. وما علمت أحدا من هؤلاء يقول إنه يحتاج في علوه إلى شيء منفصل عنه. ومن الذي قال إن علو الباري على العالم شيء موجود منفصل عنه، أو بشيء منفصل عنه مطلقا؟
لا يقتضي وجود شيء غير نفسه وغير العالم، فإن الجهة من الأمور الإضافية كما تقدم. والحيز يراد به ما هو داخل في مسمى اسمه وليس شيئا خارجا عنه، ويراد به تقدير المكان، وليس ذلك شيئا وجوديا بل لا حقيقة له بحال إلا أنه مقدر مفروض كما يقدر الزمان قبل العالم، وإنما يقصدون بهذه العبارة أنه بذاته فوق العالم ليست فوقيته مجرد القدرة كما تقوله وقول القائل: إنه على العالم بالجهة والحيز. الجهمية. وإذا كان كذلك فليس هناك شيء هو أعلى من الله تعالى أو شيء يحتاج الله إليه في علوه، بل الأمر عندهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: وقد تقدم [ ص: 165 ] الكلام على هذا غير مرة. " أنت الظاهر فليس فوقك شيء
اعتراف هذا بأن الجهة والحيز ليس أمرا وجوديا وأنه ليس وراء العالم إلا العدم المحض، فكيف يقال: إن علو العدم المحض أكمل من علو الباري، والعدم المحض لا حقيقة له بحال ولا وجود، بل أحقر حقير في العالم وأسفل سافل هو خير منه، ولا يوصف لا بعلو في الحيز ولا بسفول ولا شيء من ذلك.