وتقرير ذلك بالوجه التاسع عشر: وهو أن يقال: فإن ساغ ذلك ساغ أن يقال: لو كان عالما لكان بمنزلة جميع العلماء، ولو كان حيا لكان بمنزلة جميع الأحياء بل يقال: هذا فيما لا نزاع فيه. ما تنازع فيه الناس من الصفات نفيا وإثباتا: هل يسوغ لمن يثبته أن يمثل الله بما ثبت له من تلك الصفات من جميع المخلوقات أم لا يسوغ ذلك.
مثل أن يقال: لو كان موجودا لكان بمنزلة سائر الموجودات، بل يقال: لو كان في الوجود وجود واجب لكان بمنزلة سائر الموجودات، ومعلوم أن هذا باطل بالبديهة والحس، فبطل إذا كان جسما فيه حقائق أن يكون كسائر الأجسام المختلفة الأجزاء.
فإن قلت: الفرق بينهما أن الأجسام متماثلة بخلاف العالمين والقادرين والموجودات. قيل: هذا باطل كما تقدم، ثم إنه غير نافع لأن غاية هذا التقدير الذي نتكلم عليه أن [ ص: 156 ] تكون فيه أجزاء مختلفة الماهية وإذا كانت أجزاء الجسم مختلفة الماهية فهي مخالفة لغيره من الأجسام بطريق الأولى والأحرى، وإذا كان الكلام على تقدير أن لا تكون الأجسام أجزاؤها متماثلة لم يجز أن تحتج على هذا التقدير بما يستلزم تماثل الأجسام لأنه يكون جمعا بين النقيضين، فظهر أنه إذا قيل هذا التقدير فكل جسم مركب من أجزاء مختلفة لم تعلم هذه القضية الكلية إلا بمحض تمثيل الله بخلقه المستلزم أن يمثل إذا سمي باسم أو وصف بوصف بكل مسمى أو موصوف بذلك الاسم والصفة، وأن يكون مثله في حقيقته. وفساد هذا معلوم بالبديهة والحس وهو من أعظم وأغلظ الكفر.
ولهذا كانت الأمثال المستعملة في جانب الربوبية في الكتاب والسنة وكلام العلماء هي من باب الأولى، وهو أن ينزه بعض خلقه عن بعض كالشريك والبنات والفقر، فيقال: الله أحق بهذا التنزيه عن ذلك. أو يوصف بعض خلقه بصفة كمال كالعلم والقدرة والكلام، فيقال: الله أحق بذلك، وهذه طريقة الأنبياء وأتباعهم. أما إدخال الله وغيره من المخلوقات تحت قضية كلية تتضمن قياس [ ص: 158 ] شمول، وكل قياس شمول متضمن لقياس تمثيل فإن هذا [ ص: 159 ] لا يجوز لا لما يثبت من الصفات ولا لما ينفى.